بانک مقالات زبان و ادبیات عربی

يعد الشيخ البهائي من نوابغ العالم الإسلامي، وقد أسدي الخدمات الكثيرة إلي الناس في حياته، ألف هذا العالم ما يقرب من مائة كتاب في المجالات المختلفة العلمية والأدبية، منها «الفوائد الصمدية» في علم العربية، وقد احتوي هذا الكتاب علي كل القواعد النحوية حيث تناولها بإيجاز شديد، وقد كتبت عليه شروح منها «الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمدية» للسيد علي خان الكبير، حيث قام الشارح فيه بجمع آراء النحاة، وقارنها مقارنة منطقية دقيقة، وأورد القواعد التي يحتاج الباحث في علم النحو والقضايا اللغوية، يعتبر هذا الكتاب من المراجع التي لا غني عنها الباحث في هذا المجال، نستعرض وننقد آراء الماتن والشارح في هذه المقالة.

كما هو معلوم إن اللهجة بنت اللغة العربية الفصحي أو حالة من حالاتها في مراحل تطورها السلبي أو الايجابي، فأهمية دراسة اللهجات ناتجة من الواقع الاجتماعي الذي يرتسم بمختلف مظاهره فيها، فضلا علي توافر قوة المعني وخصب الدلالة في مفرداتها وتعابيرها. وهذا المقال الذي يعني بدراسة الدلالة الصوتية والصرفية والنحوية في اللهجة العربية الخوزستانية، يحاول معرفة تاريخ العلاقة الممتدة العريقة بين هذه اللهجة والعربية الأم «الفصحي» تمهيدا للاستفادة من عطائها الثري في مختلف المستويات وإسهاما في إرساء دعائم صرح اللغة العربية، شريطة أن تخضع للدراسة والتمحيص والتنقيح من المحرف والدخيل والتشويه و غير ذلك.

يقترح محمد أركون - باحث جزائري في جامعة السوربون - مناهج جديدة في فهم و تأويل القرآن تكون بديلة عن مناهج المفسرين المسلمين وله آراء غريبة في بعض آيات القرآن تخالف ما أجمع عليه المسلمون ومن ضمن آراءه، تفسيره لكلمة الكلالة الوارد ذكرها في الآية الثانية عشر من سورة النساء بالكنة أي زوجة الابن، وإن المفسرين والفقهاء تعمدوا تحريفها عن هذا التأويل لأسباب اجتماعية وبسبب إكراهات الأوضاع الاجتماعية السائدة، وقد تعرضنا لنقد هذا الرأي ورده من خلال كلمات أهل اللغة والقرآن والروايات.

النقد الأدبي علم حي ومتطور بتطور الأدب والثقافة، وهو ذو صلة بالعلوم الإنسانية الأخري ولهذا له إفرازات عدة، منها نظرية التناص التي لها مفاهيم قريبة في النقد الأدبي العربي القديم من اقتباس وسرقة أدبية وتضمين، إلا ان التناص ممهد له ومقصود ولا يأتي عفو الخاطر، وهو تداخل النصوص في أبسط تعاريفه، وقد اخترنا في دراستنا التناص القرآني من بين أشكال التناص في رواية «اللص والكلاب» وهي رواية من روايات نجيب محفوظ الفلسفية والتي يبحث فيها ظاهرة الانتماء إلي الأصل والبحث عن الله - تبارك وتعالي -، في أزمة عرفت آنذاك بأزمة المثقفين والتي نتجت عن قيام الثورات المتعددة وخاصة ثورة (1952م) وإسقاط الملك «فاروق» وقيام النظام الجمهوري، فهذه الأزمات السياسية والاجتماعية انتجت الأزمة الفكرية مما حدي بنجيب محفوظ إلي كتابة الروايات الفلسفية، مستخدما فيها القرآن الكريم، وفي مقالتنا هذه درسنا التناص القرآني الخارجي والداخلي وفي محاولة لكشف ما يكمن وراء هذا التناص القرآني من تلميحات وإشارات ورموز حتي نصل إلي المفاهيم الماورائية للتناص القرآني في هذه الرواية. المنهج المتبع هو المنهج التوصيفي - التحليلي الذي يقوم علي استحضار النص الغائب في رواية «اللص والكلاب» ومن ثم بيان عمليات التناص.

محاولات الشيخ الطوسي الأدبية بشكل عام والنحوية منها بشكل خاص في «التبيان» وطريقة معالجته لها شاملة مستوعبة في وجازة وإيفاء بيان، ثم تسخير طاقاتها وتفجيرها في ميدان التفسير، جعلت للنحو ميدانا واسعا في تفسير الطوسي، فقد احتوي علي كثير من الآراء النحوية لأعلام مدرستي البصرة والكوفة، ثم إنه ليس مجرد ناقل للآراء، بل ينقدها ويمحصها ويميز بين الصحيح والسقيم ببصيرة فنية كاملة وملكة موهوبة مفندا تارة ومرجحا أخري ويجتهد برأيه دون الاستشهاد برأي أحدهم ثالثة، مما يدل علي تضلعه بهذا العلم واتـسـاع آفـاقـه الـنـحوية والأدبية وتبحره الواسع وبراعته المميزة، فجعل منه إماما في النحو له مذهبه ورأيه، إلا أن كشف مذهبه بحاجة إلي فحص دقيق فيما يقتضيه عصره أولا واستنطاق نصوص تفسيره ثانيا، وها هو ما نحن بصدده في هذا المقال بمنه وكرمه.

من بين العناصر الثقافية، يولف الأثر الأدبي من بني تحتية ذات قواعد وأصول يمكن بواسطتها الحصول علي المعني ودور الكلمات. عبر هذه النظرة ظهرت الفروع الجديدة من النقد لاتهتم بمعني النص من زوايا الظروف الإجتماعية والسياسية والذاتية للمولف بل كان يحصل علي المعني عبر العلاقات الترابطية بين الكلمات أو المحاور التركيبية والإستبدالية. ظهرت البنيوية بمنتصف القرن العشرين في رحاب علم الشكلانية والسيمولوجية وعلم الألسنية. من منطلق هذا المنهج وتطوره، قد إهتم النقاد إلي ذات النص أي مستوياته اللغوية والإيقاعية فلم يهتموا بالسياقات الخارجية للدلالة. فلم يعد الأثر الأدبي أمام النقاد المعاصرين سوي النص يجب تحليله ألسنيا، القصد منه دراسة النص علي المستويات الصوتية والصرفية والنحوية وتحديد التضادات والعلاقات الثنائية بين الألفاظ والكلمات والشخصيات والأحداث الموجودة في أرجاء النص المسرحي مهتما بأن هذه الثنائيات تودي إلي إظهار المفارقة التي يقيمها الكاتب بين عالمين متناقضين. نحن نرمي من هذه الدراسة كشف مصطلحات النقد البنيوي وتطبيقها علي مسرحية «صلاة الملائكة» لتوفيق الحكيم مركزا مسار البحث علي عدة محاور بنيوية منها كيفية بنية الفصول والمناظر في ساحة هذا النص ثم تحديد مكونات ثابتة ومتغيرة في فضاء النص كالفواعل والمفعول به (المغزي) والزمان والمكان وبيان علاقاتها الثنائية في زوايا النص وكلها تستعرض علاقات عكسية أو ضدية تتمثل ميزة عالم الواقع كما تكشف عن وجود المفارقة في ذهن الكاتب وفي الأخير نحدد البنيات اللغوية والإيقاعية والتركيبية ومستوياتها التي تنحصر بداخل النص كوفرة الصوامت الغامضة بالنسبة للحروف المهموسة وكثرة الجمل الإسمية بالنسبة لفعليتها وكثرة ظاهرة الرمز والكنايات بالنسبة للوضوح والبيان وكلها يسعي إلي توليد المعني.

واجهت اللغة العربية تهديدات كثيرة منذ صدر الإسلام حتي أيامنا هذه، وقام العرب والمسلمون لسد هذه الأخطار بما يملكون من الفكر والعمل، وتضافرت هذه التهديدات في العصر المعاصر، فمن ذلك دعوة بعض الناس إلي استخدام اللغة العامية والآخر إلي تمصير اللغة والآخر إلي كتابتها بالحرف اللاتيني بذرائع مختلفة، ونلاحظ ضربا من الإجابة إلي هذه الدعوة في الإنترنيت وخاصة في غرف الدردشة، وأدي ذلك إلي إيجاد لغة وهي لغة الشات التي تملك مصطلحات خاصة، وتستخدم الأرقام بدلا عن الحروف التي لا نظير لها في اللغة الإنجليزية، وأنتجت شركة مايكروسوفت برنامجا اسمه maren لمساعدة كتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني. تلاحظ تهديدات أخري للغة العربية عبر الإنترنيت وهي تسجيل عناوين المواقع بالحرف اللاتيني وورود المصطلحات الإنجليزية الخاصة للإنترنيت إلي اللغة العربية، ولذلك حاول بعض الغيورين علي اللغة العربية إثباتها بالحرف العربي علي الإنترنيت. أرادت هذه الدراسة تبيين هذه التهديدات التي تأتي في نطاق غزو ثقافي شنه الغرب وأزلامه ضد الإسلام واللغة العربية.

بعد المد الإسلامي في العالم واتساع رقعة الدولة الإسلامية، انتشرت العربية كلغة الدين بين هذه الشعوب، مما أدي إلي دخول اللحن في اللغة. دعت الحاجة علماء ذلك الزمان لتأصيل قواعد اللغة العربية لمواجهة ظاهرة اللحن خاصة في ما يتعلق بالقرآن والعلوم الإسلامية. لكن سرعان ما استهدف النحو لذاته ولا لإجادة اللغة ودخلته تعقيدات ما كان لها من اللغة شيء. فقام جماعة من القدماء لتيسير النحو العربي، وتخليصه من العقود والتعقيدات. أما في العصر الحديث فقد دخلت هذه المحاولات في اتجاهات عديدة، هناك جماعة تابعوا محاولات ابن مضاء مثل إبراهيم مصطفي، ومهدي المخزومي، وشوقي ضيف، وتمام حسان، وقد دعوا إلي هدم نظرية العامل وإضافة بعض أبواب جديدة علي النحو القديم. ثم إن فريقا آخر دعا إلي العامية كما دعا الفريق الثالث إلي البقاء علي الأصول القديمة والتيسير في الجانب التعليمي من النحو.
أما هذا البحث فيحاول إلقاء الضوء علي هذه المحاولات في تيسير النحو العربي حديثا ومدي نجاحها في ذلك، مع الإهتمام الخاص بآراء ثلاثة من المحدثين، وهم إبراهيم مصطفي، شوقي ضيف، وتمام حسان، وقد انتهجنا فيه المنهج التوصيفي - التاريخي مستعينين بالكتب والمقالات العلمية.

تعد العناية بالدلالة، في مختلف الحضارات والمدنيات، من أقدم اهتمامات الإنسان الفكرية عبر الزمن بحيث شغلت، علي مر العصور، بالمفكرين الصينيين والهنود وفلاسفة اليونان والرومان وغيرهم.‏ وكان للعرب والمسلمين من لغويين وبلاغيين وغيرهم نصيب أوفر في معالجة كثير من المسائل المتعلقة بدلالة الكلمات. والبحث اللغوي عند العرب منذ بداياته تركز علي تحديد المعني وما يحتويه القرآن الكريم من معان ومقاصد. وكان النقاش والتوجيهات للمسائل التي دارت بين العلماء تصب في خانة المعني. لکن التناول الدلإلي في التراث الاسلامي و العربي كان ضمن اهتمامات لغوية أخري، امتزج البحث فيه بضروب معارف مختلفة من غير أن يحمل عنوانا مميزا، له استقلال في موضوعاته ومعاييره الخاصة. ولکن مع الأسف ظن كثير من الباحثين أن علم الدلالة، علم نمت أصوله وترعرعت في ظل الدراسات اللسانية الحديثة و لم يكن للعرب و العلماء المسلمين معرفة به.
يهدف هذا البحث إلي بيان إسهام علماء الاسلامية و العربية في وضع أصول أسس لعلم الدلالة و يوضح مدي اهتمامهم بالمعني. و لأجل بيان هذه الجهود اخترت ابن جني کممثل للقدماء. لانه يعد من أعظم العلماء الذين قدموا نموذجا مشرقا لمباحث اللغة في التراث الاسلامي و العربي المعرفي. في الواقع هذه الدراسة تبين دراسات ابن جني للمعني، وكيفية اهتمامه به في مختلف صوره. إضافة إلي ذلك بينت الدراسة أن كثيرا من معطيات الدرس الدلإلي الحديث، توصل لها علماء العربية أثناء دراستهم للغة، مما جعلنا نقول أن علم الدلالة علم قديم تناوله اللغويون من قبل، وحديث باعتبار أن أصوله وأسسه و منهج البحث فيه قد حددت في مطلع القرن العشرين حتي غدا علما قائما بذاته بعد أن كان ظلا يسير في كنف الدراسات اللغوية الأخري.

قد صرح أكثر من مصدر أن القرن الرابع الهجري يعد صورة متميزة من الحضارة الإسلامية فالأسماء اللامعة في العلوم المختلفة، تحير عقول الباحثين، منها «ابن دريد الأزدي» الذي كان من الشائع في تراجم هذا العصر أن يقال إن فلانا رحل إلي البصرة وأخذ العربية والأدب من ابن دريد، وذلك لأن المعرفة اللغوية التي كانت تعد «أم المعارف» والمرضع الأول لسائر العلوم قد انتهت إليه وهذا ما جعل إسهامه في ازدهار العلم والحضارة كبيرا جدا. فما تتلمذ عند عالم جمع غفير من العلماء مثلما تتلمذوا عند ابن دريد، فذكرت التراجم أربعة وستين تلميذا له، من أشهرهم: أبو علي القالي، المرزباني، السيرافي، ابن شاذان، أبو الفرج الاصبهاني، ابن خالوية، الرماني، الآمدي، أبو علي الفارسي.
لابن دريد تأثير هام علي كبار النهضة الأدبية في بلاد الفرس كأمثال بديع الزمان الهمذاني الذي أنشأ فن المقامات متأثرا بأحاديث ابن دريد، وصاحب بن عباد الذي كتب جوهرة الجمهرة. كان ابن دريد أوسع أقرانه علما وأقدرهم علي الشعر، فتصدر في العلم ستين سنة ولقب «بأشعر العلماء وأعلم الشعراء». ولم تنحصر إسهاماته الحضارية علي التعليم فحسب فقد كان اتصاله بآل ميكال وإنشاده مقصورته الشهيرة، خلق مادة ثقافية نادرة اعتني بها كثير من المتقدمين والمتأخرين، فرأي بعض القدامي ضرورة استظهارها حتي تكتمل للأديب ثقافته الأدبية. فهذه المكانة الفريدة جعلته صانعا لعمالقة العلم والأدب الذين شيدوا الحضارة العربية الاسلامية في القرن الرابع، وبما ان الطاقة الإنسانية هي من أهم العوامل في بناء الحضارة وازدهارها، كان لأبن دريد في صنع هذه الطاقة الإنسانية حصة الأسد حسب ما وصل إلينا من المستندات التاريخية.

يحاول هذا البحث أن يدرس مكانة «الإلتزام» في المدارس الأدبية، علما بأنها تنقسم إلي ثلاثة أقسام؛
أ. المدارس الأدبية الملتزمة.
ب. المدارس الأدبية غير الملتزمة.
ج. المدارس الأدبية المحايدة.
فهي متفاوتة لما تتمسك به من أفكار و نظريات، إلا أنها جميعا تشعر القارئ بالإلتزام أو تدعو إليه صراحة و لا يمكن تجريد أي منها من مفهوم الإلتزام، خاصة إذا حصلت لدينا قناعة أن الإلتزام له علاقة مباشرة بمستوي الإنسان العلمي و ثقافته بشكل عام، و بما أن الأدباء و الشعراء هم رواد المجتمع فلا يتصور أنهم بمنأي و بمعزل عن المسووليات الإجتماعية.

کان سيد قطب أديبا وناقدا قبل أن يکون مفکرا إسلاميا، و يرجع جزء من تأثيره ککاتب و منظر إسلامي إلي قدرته الأدبية و سحره في التعبير، ولکن مع ذلک فقد عرفه کثير من الناس کمفکر إسلامي فقط و لم يعرفوا أنه کان أديبا و ناقدا، ولذلک فقد أهمل ثقافته الأدبية و مدرسته النقدية في زاوية من النسيان.
فتهدف هذه المقالة إلي بيان شخصيته الأدبية والنقدية، والتطرق إلي تراثه الشعري و القصصي، وإلقاء الضوء علي تراثه النقدي في مجال «القرآن الکريم» و في مجال «الشعر والأدب».

لايکاد يتفق الأدباء علي تعريف واحد للأدب. و لکن ما يوجد في کل التعاريف هو: أن الأدب يتکون من عناصر تميزه عن غيره و تعطيه حياة أبدية، هذه العناصر هي: العاطفة، الخيال، الفکرة، الموسيقي و الأسلوب. فالعاطفة هي التي تعطي الأدب صفة الخلود بحيث نقرأ النصوص الأدبية مرة بعد مرة فلا نمل من قراءتها. و الخيال هو مرکب ترکبه العاطفة فتقطع بها المسافات الشاسعة دون ملال و دون صعوبة. والفکرة هي النواة التي تکن في خفايا الآثار الخالدة فتثمر هذه الآثار دون أن تبلي أو تستهلک. و الموسيقي هي سحر الکلام و هي التي تزين هذه الآثار و تعطيها نشاطا و حيوية و هي التي تزيد العناصر الأخري جمالا و زينة. و الأسلوب هو طريقة نسج هذه العناصر الأربعة بعضها مع بعض. و لکل شاعر أو کاتب أسلوبه الخاص، فلذلک يقال: «إن الأسلوب هو الشخص». و الأسلوب يظهر إذا قيست النصوص الأدبية بعضها مع بعض. في هذه المقالة محاولة لدراسة هذه العناصر الجمالية بإيجاز. فهذه المقالة تتحدث عن الادب و عناصره و الاسلوب، ثم اتت بنماذج من الشعر العربي والفارسي. هذا و قد قارننا النظيات الادبيه والاسلوبية بتلك النماذج.

قد يحمل اللفظ (أو العبارة) بواسطة التکرار، وذاك من إحدي الأساليب التعبيرية في اللغة الشعرية، دلالات فنية متعددة و أحيانا متداخلة توثر في نفس المتلقي، و يتم ذلك بفضل موهبة الشاعر البارع المتمکن من إخراج الکلام إلي الإفادة و الامتاع. و تزداد قيمة ذلك التکرار في تمتين الدلالات عند ما يرافق الشاعر الحظ اللغوي و الشعوري و الأصالة و الا اذا نقصه ذلك کله فلا محالة أن يودي هذا النقص إلي الثرثرة اللفظية المبتذلة، اضافة إلي عجز الشاعر عن السيطرة الکاملة علي أزمة تکراره. و القصيدة الحرة بما تحتوي عليه من طاقة التکرار التعبيرية الفائقة قد استطاعت أن تنجح في أداء المقصود عند کبار الشعراء کما عند «السياب»، رائد الشعر الحر بحيث تمکنت القصيدة الحرة لديه أن تحمل هذه الطاقة دلالات ترمي من ورائها تحقيق أهداف النص بما ينحصر علي الدلالة البيانية، أنها الاصل في کل تکرار، و الدلالة الشعورية، وأنها أهم دلالة وأصعب وأغني، والدلالة الايقاعية المتسمة بالدرامية و الدلالة التصويرية المتلازمة للاخري، في ستة مواضع. وترسخت تلك الطاقة في القصيدة السيابية الحرة بغية الوصول إلي الدلالات الفنية، و استطاعت أن تفجر الجمال الدلإلي بنجاح حاسم حين مزجت بين الدلالات فجاء امتزاج الشعورية بالايقاعية أغزر من غيرها وأغني. و هذا هو شأن القصيدة الجيدة التي تحملنا إلي البحث في المظهر اللغوي و ما خلفه، و ما يموج وراءه من تيارات ذات دلالات غنية. تلك الدلالات هي جزء أصيل من التعبير الادبي للتکرار. ينظر المقال الي الايقاع والتصوير و البيان و الي الشعور بينها بعضها ببعض.

يعتبر محمود سامي البارودي الشاعر الذائع الصيت المصري من رواد التجديد في الشعر العربي الحديث و الذي أحيي الشعر العربي بعد ما فقد قوة الإبداع و الابتکار في العصرين المملوکي و العثماني، و أعاد إليه جماله و طراوته السابقين. و بما أن الشاعر خضع منذ طفولته لتعاليم دينية و قرآنية و كان يري أن من واجب الشعر التهذيب الأخلاقي للإنسان و المجتمع لذا حاول في أشعاره أن ينشر بين الناس أصول العقائد و فروعها و كذلك القيم الدينية الأخلاقية و الاجتماعية بما فيها الوفاء بالعهد، حفظ السر، الدعاء، التقوي، الزهد، التوبة، الكرم، الشجاعة و ... فنراه يستخدم التناص القرآني و الروائي کأفضل طريق للوصول إلي هذا الهدف المنشود.
يحاول هذه المقالة أن يعالج بعضا من هذه الأصول والقيم مشيرا إلي التناص المستخدم في الأبيات قرآنيا کان أو روائيا.