لقمة الحلال
لما سأل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: « ما أفضل الأعمال ؟ ، قال : الورع عن محارم الله
» ،
كلما كان الإنسان متحفظا في مأكله و طعامه
، كان نباته حسنا ، و أعظم شيء يذكر في هذا المجال قصة المحقق الاردبيلي ، فهو نتاج
لقمة الحلال ، و طهارة النطفة التي تعتبر أساساً لمخلوق جيد .
فقد جاء والده إلى قناة يملأ قربته ماءً
فرأى تفاحة تجري على الماء ، فأخذها و أكلها ، ولكنه وقف فجأة يفكر ، كيف أكل التفاحة
، و لم يستأذن من صاحبها ، فأخذ يعاتب نفسه على هذا التصرف الذي لا ينبغي صدوره منه
، و لذا فكر في أن يمشي باتجاه معاكس لجريان الماء ، لعله يصل إلى صاحب التفاحة ، فيسترضيه
على أكله لها ، مشى مسافة حتى وصل إلى مزرعة التفاح ، فلقي صاحب المزرعة ، و كان عليه
سيماء الصالحين فقال له: إن تفاحة كانت تجري على الماء في القناة ، فأخذتها ، و أكلتها
أرجوك أرض عني!
أجابه الرجل: كلا لن أرضى عنك.
قال: أعطيك ثمنها.
قال: لا
و بعد الإصرار و الإلحاح الشديدين وافق
صاحب المزرعة ، أن يرضَ عنه ولكن بشرط واحد!
قال الشاب: فما هو الشرط ؟
أجاب الرجل : عندي ابنة عمياء ، صماء، خرساء
، مشلولة الأرجل ، إذا وافقت أن تتزوجها أرضَ عنك وإلا فلا!
يقول (صلى الله عليه وآله) : « لا يقدر
رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلاّ مخافة الله إلاّ أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة
»
فلما رأى الشاب أنه لا سبيل إلى جلب رضاه
إلا بالموافقة على هذا الشرط الصعب ، دعاه إيمانه إلى الموافقة. و هو يندب حظه ، و
يسترجع (يسترجع : أي يقول إنا لله و إنا إليه راجعون) على هذا البلاء العظيم جراء تفاحة.
مضت الأمور كما يريد أبو البنت ، و قرأ العقد ، و تزوج الشاب ، و عند دخوله على عروسه
فوجىء بعروس ذات قامة ممشوقة ، و هي في غاية الجمال ، أنها مواصفات نقيضة للمواصفات
التي ذكرها له أبوها . فخرج الشاب مسرعا ( خشية حدوث خطأ في الزواج فتحدث له مشكلة
أخرى ) و إذا بالرجل ينتظره مبتسماً قال : خيراً إلى أين ؟
قال الشاب : إن البنت التي ذكرت لي وصفها
ليست هي العروس التي دخلت عليها ؟!
أجابه الرجل : إنها هي . لأني حينما وجدتك
جاداً في جلب رضاي لأكلك تفاحة خرجت عن حيازتي ، و سقطت في الماء و أخذها الماء مسافة
بعيدة و جئت تطلب الحل ، علمت إنك الشاب الذي كنت انتظره منذ أمد لأزوجه ابنتي الصالحة
هذه. و لقد قلت لك : إنها عمياء خرساء ، فلأنها لم تنظر ، ولم تكلم رجلا أجنبيا قط
.
و قلت لك : إنها مشلولة ، فلأنها لم تخرج
من المنزل لتدور في الطرق ، و إنها صماء ، فلأنها لم تستمع إلى غيبة أو غناء ، أليست
هذه فتاة مؤمنة يستحقها شاب مثلك؟
فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) : « ترك لقمة
الحرام أحب إلى الله من صلاة ألفي ركعة تطوعًا »
و كان ثمار هذا الزواج المبارك ولادة إنسان
اشتهر في ورعه و تقواه وقربه إلى الله و حبه للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ومودته العميقة
لأهل البيت (عليهم السلام) و عرف عنه كثرة ملاقاته لمولانا صاحب العصر و الزمان ، و
هو المقدس الجليل الشيخ أحمد الاردبيلي.
ولكي نعلم كيف صار الشيخ المقدس ، هكذا
لننظر إلى أمه ماذا تقول حينما سُئلت كيف صار ولدها الشيخ بهذا المقام ؟ فأجابت : أني
لم آكل في حياتي لقمة مشبوهة ، و قبل إرضاع طفلي كنت مداومة على إسباغ الوضو ء ، ولم
انظر إلى رجل أجنبي بريبة قط ، و سعيت في تربية طفلي أن أراعي النظافة و الطهارة ،
و أن يصاحب الأولاد الصالحين.
ونحن حينما نتأمل هذه الحادثة العظيمة نعرف
كيف يكون أثر لقمة الحلال ، و كيف يؤثر الاجتناب عن المحرمات ، و ردع النفس عن الاقتحام
في الشبهات و المحظورات . فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) : « ترك لقمة الحرام
أحب إلى الله من صلاة ألفي ركعة تطوعًا » ، ( عدة الداعي: 65).
لما سأل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: « ما أفضل الأعمال ؟ ، قال : الورع عن محارم الله
» ، ( بحار الأنوار 42: 190)، و يقول (صلى الله عليه وآله) : « لا يقدر رجل على حرام
ثم يدعه ليس به إلاّ مخافة الله إلاّ أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة » ، ( كنز
العمال 15: 787).
المصدر: شبکة اهل البيت للاخلاق الاسلامية