لماذا حُرِّم لحم الخنزير؟
إن لحم الخنزير ، قد حُرِّم في الإسلام بنص القرآن ، و هو قول الله تعالى : (إنما حرم عليكم الميتة ، و الدم و لحم الخنزير ) ، ( البقرة 173 ) ؛
و
لا يُباح بحال من الأحوال لمسلم ، أن يتناول منه شيئًا بأيّ شكل كان ،
مطبوخًا أو غير مطبوخ ، إلا في حالة الضرورات ، التي تتوقف فيها صيانة
حياة الشخص على تناوله ، كما لو كان في مفازة ، و لا يجد طعامًا سواه ؛
وفقًا لقاعدة أن " الضرورات تبيح المحظورات " ، و هي القاعدة التي جاءت
فيها الشريعة الإسلامية بفتح باب الحلول الاستثنائية المؤقتة لظروف
استثنائية عارضة ، نظرًا لأن الشريعة الإسلامية شريعة واقعية ، تُقرِّر
لكل حالة في الحياة ما تستلزمه و تستدعيه من حلول و تدابير.
فإلى
جانب المبادئ الثابتة و الأحكام الأصلية العامة في الحياة العادية ، فتحت
الشريعة باب الحلول و التدابير الاستثنائية الموقوتة للحالات غير العادية
، و هي الظروف الاستثنائية المُعبَّر عنها بقاعدة الضرورات ، و هي المقررة في القرآن العظيم بقوله في الآية السابقة ، التي جاءت بتحريم الميتة و الخنزير: ( فمن اضطر غير باغ ، و لا عادفلا إثم عليه ) ، ( البقرة: 173) ، و يقول الله -سبحانه- في موطن آخر بعد ذكر تلك المحرمات: ( إلا ما اضطررتم ) ، ( الأنعام: 119).
و
لم يرد في النصوص الشرعية تعليل خاص لتحريم لحم الخنزير ، كما ورد في
تحريم الخمر و الميسر مثلاً ، ولكن التعليل العام الذي ورد في تحريم
المحرمات من المآكل و المشارب و نحوهما ، يرشد إلى حكمة التحريم في
الخنزير ، و ذلك التعليل العام هو قول الله تعالى: ( و يحل لهم الطيبات ، و يحرم عليهم الخبائث ) ، ( الأعراف: 157) ، فهذا يشمل بعمومه تعليل تحريم لحم الخنزير ، و يفيد أنه معدود في نظر الشريعةالإسلامية من جملة الخبائث.
و
الخبائث في هذا المقام يراد بها ما فيه فساد لحياة الإنسان في صحته أو في
ماله أو في أخلاقه ، فكل ما تكون مغبته و عواقبه وخيمة من أحدالنواحي
الهامة في حياة الإنسان ، دَخَل في عموم الخبائث.
وقد
أثبتت الاكتشافات الطبية في عصرنا الحديث ، الذي اكتُشفت فيه عوامل
الأمراض و خفايا الجراثيم الضارة ، أن الخنزير يتولد من لحمه في جسم
الإنسان ، الذي يأكله دودة خطرة ، توجد بذرتها في لحم الخنزير ، و تنشب في
أمعاء الإنسان بصورة غير قابلة للعلاج بالأدوية الطاردة لديدان الأمعاء ،
بل تنشب تلك الدودة الخنزيرية ضمن عضلات الإنسان بصورة عجز الطب إلى اليوم
عن تخليص الإنسان منها بعد إصابته بها ، وهي خطر على حياته ، و تسمى "
تريشين " ، (Treichine)، و منهنا ظهرت حكمة تحريم لحم الخنزير في الإسلام.
و قد جاء في موسوعة لاروس الفرنسية ، إن هذه الدودة الخبيثة (التريشين) تنتقل إلى الإنسان ، وتتجه إلى القلب
، ثم تتوطن في العضلات ، و خاصة في الصدر و الجنب و الحنجرة و العين، و
الحجاب الحاجز، و تبقى أجنّتها محتفظة بحيويتها في الجسم سنين عديدة.
و
لايمكن الوقوف عند هذا الاكتشاف في التعليل ، بل يمكن للعلم الذي اكتشف في
الخنزير هذه الآفة ، أن يكتشف فيه في المستقبل آفات أخرى ، لم تعرف بعد.
و
من ثم لا يُقبل في نظر الإسلام رأي من يزعم ، أن تربيةالخنازير الأهلية في
العصر الحاضر بالطرق الفنية المراقبة في مراعيه ، و في مبيته ، و مأواه ،
كفيلة بالقضاء على جرثومة هذه الآفة فيه، لِمَا بيّنَّا أن نص الشريعة
فيالتحريم مطلق و غير معلل، و من الممكن أن تكون هناك مضارّ أخرى للحم
الخنزير لم تعرف بعد ، كما كانت آفة التريشين نفسها مجهولة قبل اكتشافها
في العصر الحديث.
و ينبغي ملاحظة أنه ، إذا أمكن العناية بتربية
الخنازير بصورة فنية مزيلة لهذه الآفة فيه في وقت أو مكان ، أو أمكنة
كثيرة من مراكز الحضارة و عواصمها في العالم ، فإن ذلك غير ممكن فيجميع
آفاق الأرض ، في جميع الأزمنة ، و لا تتيسر وسائله لكل البشر ، كما أن هذه
العناية الصحية بتربيته في المراكز الحضارية لا تكفل القضاء على هذه الآفة
تمامًا ، و الاحتياطات التي تُمكِّن من العناية بها في عاصمة غنية
بالوسائل الفنية كنيويورك و باريس مثلاً ، لا يمكن بذلها في الضواحي و
القرى ، و لا سيما النائية بين الفلاحين و نحوهم .
و حكم الشريعة يجب ، أن يكون صالحًا واقعًا لجميع الناس في جميع الأماكن ، و لذلك وجب أن يكون التحريم عامًا شاملاً.
على
أن الشخص المسلم المؤمن ، لا يجوز له رفضحكم الشريعة إذا لم تظهر له حكمته
؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يتخذ كل إنسان من عقله و علمه القاصرين مقياسًا
متفاوتًا عن مقياس غيره في قبول أحكام الشريعة و رفضها ، بل عليه قبول
الحكم الشرعي في التحليل و التحريم متى ثبت وجود النص ؛ سواءً أفهم الحكمة
في ذلك أم لم يفهمها ؛ لأن الكثير من حِكم الأحكام من أول عهد الشريعة إلى
هذا العصر ظل مجهولاً حتى اكتشفت الوسائل العلمية الحديثة هذه الحكم، وذلك
نظير المكلف تجاه القوانين الوضعية النافذة عليه ، فإن على كل شخص طاعة
القانون ، سواء أكان مقتنعًا بحكمته أم غير مقتنع بعد أن يصدر القانون عن
مصدره التشريعي ؛ لأن المفروض أن السلطات التشريعية التي تُصدر القانون قد
درست ما يحيط بالموضوع من كافة النواحي المتعلقة بالفرد ، و الجماعة ، و
الحاضر ، و المستقبل ، و النواحي المالية و الخلقية و الاجتماعية دراسة
بصيرة ، و وسائل أوسع من بصيرة الفرد المكلف ، الذي يقيس الأمور عادة
بمقياس مصلحته ، و أهوائه و رغباته فقط.
المصدر : اسلام اون لاين