الكتابة في المجال القرآني
جمعه 31 شهریور 1391 1:09 AM
الكتابة في المجال القرآني
بشير البحراني
قال الله تعالى في محكم كتابه الحكيم: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}.
واحدة من نعم الله علينا -نحن بنو البشر- أن أنعم علينا بنعمة (القلم)، وما أعظمها من نعمة.. لماذا؟
لأن القلم هو طريق العلم،
لأن القلم هو طريق الهداية،
لأن القلم هو طريق الصلاح والسداد..
يقول الباري عز وجل في أولى آيات الوحي الإلهي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
إذاً، للقلم رسالة عظيمة وسامية في موضوع العلم والتقدم الحضاري، لأنه بواسطة القلم تناقلت الشعوب علومها من حضارة إلى حضارة ومن عصر إلى عصر لتكون في متناول الأجيال الجديدة، تتناقل خبراتهم، وتستفيد مما سطرته أقلامهم وتطور من حالها بهمة وعزيمة. وبالقلم حُفِظَ لنا كل تراث الأمة الذي بين أيدينا اليوم..
والباري عز وجل يلفت أذهاننا وعقولنا إلى أهمية هذه الأداة (القلم)، ولذلك يأتي القسم واضحاً وجلياً: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}.. يقسم الله به نظراً لأهميته وخطورته، بل ويسمي سورة من القرآن الكريم بأكملها باسم ( سورة القلم).
وكل هذا يشير إلى وجوب تحملنا لمسؤوليةٍ ما تجاه هذه الأداة.. وفي ذلك دلالة واضحة على فضل الكتابة.. ولكن.. ماذا نكتب؟
الجواب: نكتب ما نفيد به أنفسنا، نكتب ما نفيد به أسرنا، نكتب ما نفيد به مجتمعنا..
وما دمنا الليلة في ختام هذه الدورة المباركة في ضيافة القرآن الكريم، سأقول لكم.. لنكتب ما يفيد أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا من خلال آيات القرآن الكريم، لأنه {نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
لنحاول أن نغرف من معين هذا القرآن الذي لا ينضب.. لنحاول أن نكتب حوله ومنه..
حوله.. بمعنى أن نحمل القلم ونسطر للناس حول عظمة هذا الكتاب المبين، أن نكتب لهم عن أهميته في حياتنا وحياتهم.. عن ضرورته لضمان مستقبلنا وسعادتنا.. عن أهمية الالتفاف حوله للاستفادة من بصائره وهداه..
لندعوهم عبر كتاباتنا ليتدبروا آياته ولا يقفلوا قلوبهم وعقولهم أمام نوره فيفشلوا وتذهب ريحهم.. لنعلمهم عبر رسالة القلم أن القرآن "هو الدليل يدل على خير سبيل"، "ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار" -حسبما تقول الرواية عن رسول الله (ص)-.
أما منه.. فهي بمعنى أن نحمل القلم ونسطر للناس حول مشاكلهم وقضاياهم.. حول حاضرهم ومستقبلهم.. ونستلهم لهم من القرآن الكريم عبر الكتابة حلول مشاكلهم ومعالجة قضاياهم وضمانات مستقبلهم، لأن في هدى ورؤى القرآن طريق السعادة الحقيقية والمرجوة..
علينا أن نكتب حول الأسرة والتربية.. فنتحدث عن رؤية القرآن في ذلك الموضوع.
علينا أن نكتب حول الأخلاق.. فنستفيد من رؤية القرآن لموضوع الأخلاق، وكيف أنه يحث على الخُلق الحسن ويذم السيئ منه.
علينا أن نكتب حول الفقر والغنى.. حول التنافس والنجاح.. حول الجهل والعلم.. حول العقل والعاطفة.. حول النظافة.. حول العمل الصالح.. حول الجنة والنار.. حول التفقه.. حول الحرب.. حول المجتمع.. حول التجارة.. حول الوحدة.. حول كل شيء، ومن خلال الرؤية القرآنية.
"كل شيء في القرآن" حسبما تقول إحدى الروايات عن أبي عبدالله (ع)..
يقول عز وجل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.
ويقول سبحانه وتعالى في موضع آخر: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}.. ولكن.. أين هم من هذه الحقيقة؟.. {...فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا}.
إذاً، مسؤوليتنا أن نكتب لهم لنوضح لهم هذه الحقيقة التي غفلوا عنها، وندعوهم إلى العودة إلى القرآن، يستفيدون منه، وينطلقون من خلال رؤاه وأفكاره، بدلاً من التسكع على طرقات الأنظمة والدساتير الوضعية ومناهجها..
ولهذا يؤخذ على مجموعة من كتابنا ومثقفينا أنهم إذا كتبوا لا يعرضوا أفكارهم على القرآن الكريم، ولا يستشهدون بنصوصه، بل يتسولون نظريات الاستشراق وأفكار الأنظمة المادية، لأنهم -وللأسف- خدعوا بالمادة والمظاهر، فسرعان ما سيطرت عليهم، فحسبوا أنها منطلق التقدم والرقي.
في حديث للإمام جعفر الصادق (ع) يبين فيه دركات العلماء الأشرار في نار جهنم، يقول: "ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليغزر به علمه ويكثر به حديثه، فذاك في الدرك الخامس من النار".
إذاً، ينبغي علينا حينما نكتب أن نجعل القرآن نصب أعيننا، وكلما كتبنا فكرة نتساءل: هل فكرتنا هذه تتوافق والقرآن الكريم؟
القرآن هو الفيصل.. هو الحاكم.. هو الأصل.. وهو المنبع في حل ومعالجة كل قضايانا ومشاكلنا.. فرؤانا وتنظيراتنا وأفكارنا من اللازم أن تكون مبنية على أسس قرآنية.
ولعلنا اليوم في أمس الحاجة إلى قرأنة روحية، وقرأنة اجتماعية، وقرأنة ثقافية، وقرأنة اقتصادية.. وإلى غير ذلك.
لن أطيل عليكم.. سوى أنني أريد أن أجدد دعوتكم إلى البدء منذ الليلة في الكتابة ضمن هذا الاتجاه.. والكتابة بمقدار ما هي صعبة هي سهلة أيضاً.. فابدأ وجرّب، فلن تخسر شيئاً، ولكنك قد تربح.
لا تحسب أنك صغير على الكتابة -وهذا الخطاب موجه إلى طلاب الدورة على وجه الخصوص-، ابدأ.. حتى ولو بتلخيص الدروس التي تلقيتها هنا في الدورة، ليستفيد منها إخوانك وأخواتك على أقل تقدير.
حينما كنت في أواخر المرحلة الابتدائية وبدايات المرحلة المتوسطة؛ كنت قد بدأت الكتابة والنشر في مجلات الأطفال. وحينما كنت في الأول الثانوي بدأت في تدوين بعض التدبرات القرآنية، وبدأت بالكتابة والتأليف في مجال القرآن بالاشتراك مع أخي الأستاذ/ فاضل البحراني، واستمر العمل في الكتابة القرآنية لمدة ثلاث سنوات غير متواصلة، فما كدت أتخرج من الثانوية إلا وقد طبعت كتابي الأول بالاشتراك مع أخي/ فاضل، وهو كتاب (نفي التنافي في القرآن الكريم)، وقدَّم له سماحة الأستاذ الشيخ فيصل العوامي حفظه الله.
وبعد سنتين من طبع الكتاب الأول، توفقت وأخي/ الأستاذ فاضل إلى تأليف ونشر كتاب ثان، جاء بعنوان (العودة إلى القرآن)، وقدَّم له سماحة العلامة الشيخ حسن موسى الصفار حفظه الله.
حقيقة.. لست هنا لأسوق هذا الكلام استعراضاً وافتخاراً.. كلا.. وإنما أنا في معرض وحشد الهمم ودفعها نحو الكتابة..
إذاً، الطريق سالكة، فانطلق فلست بأقل من غيرك، ولعلك أفضل منهم، فقط امضِ في الكتابة بهدوء، وحاول أن تستفيد من آراء الآخرين وتوجيهاتهم، ولا تعير اهتماماً للساخرين والمحبطين، لأنك حين تبدأ ستكون أنت في الأمام وهم في الخلف يلهثون، وسترى كيف أن الله سبحانه وتعالى ينزل البركة والتوفيق في مثل هذه الأعمال وسائر أعمال الخير.
وفقك الله إلى كل خير..
واختم بأبيات شعرية للشاعر الكبير السيد مصطفى جمال الدين رحمه الله:
يا أمة القرآن أمسـكِ مخصبٌ
بوريف ما أعطى ويومكِ أربدُ
ما بالكِ استدبرتـه وتركتـه
يختـال بين بنيه وهو مصفّـدُ
يلقيه في حلك القلـوب تبركٌ
ويذيبـه بين الشفـاه تعـودُ
عودي لأمسكِ ينطلق منكِ الغدُ
ما شعَّ في دمكِ النبي محمدُ
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأفضل الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
|