بانک مقالات زبان و ادبیات عربی

قد صرح أكثر من مصدر أن القرن الرابع الهجري يعد صورة متميزة من الحضارة الإسلامية فالأسماء اللامعة في العلوم المختلفة، تحير عقول الباحثين، منها «ابن دريد الأزدي» الذي كان من الشائع في تراجم هذا العصر أن يقال إن فلانا رحل إلي البصرة وأخذ العربية والأدب من ابن دريد، وذلك لأن المعرفة اللغوية التي كانت تعد «أم المعارف» والمرضع الأول لسائر العلوم قد انتهت إليه وهذا ما جعل إسهامه في ازدهار العلم والحضارة كبيرا جدا. فما تتلمذ عند عالم جمع غفير من العلماء مثلما تتلمذوا عند ابن دريد، فذكرت التراجم أربعة وستين تلميذا له، من أشهرهم: أبو علي القالي، المرزباني، السيرافي، ابن شاذان، أبو الفرج الاصبهاني، ابن خالوية، الرماني، الآمدي، أبو علي الفارسي.
لابن دريد تأثير هام علي كبار النهضة الأدبية في بلاد الفرس كأمثال بديع الزمان الهمذاني الذي أنشأ فن المقامات متأثرا بأحاديث ابن دريد، وصاحب بن عباد الذي كتب جوهرة الجمهرة. كان ابن دريد أوسع أقرانه علما وأقدرهم علي الشعر، فتصدر في العلم ستين سنة ولقب «بأشعر العلماء وأعلم الشعراء». ولم تنحصر إسهاماته الحضارية علي التعليم فحسب فقد كان اتصاله بآل ميكال وإنشاده مقصورته الشهيرة، خلق مادة ثقافية نادرة اعتني بها كثير من المتقدمين والمتأخرين، فرأي بعض القدامي ضرورة استظهارها حتي تكتمل للأديب ثقافته الأدبية. فهذه المكانة الفريدة جعلته صانعا لعمالقة العلم والأدب الذين شيدوا الحضارة العربية الاسلامية في القرن الرابع، وبما ان الطاقة الإنسانية هي من أهم العوامل في بناء الحضارة وازدهارها، كان لأبن دريد في صنع هذه الطاقة الإنسانية حصة الأسد حسب ما وصل إلينا من المستندات التاريخية.