محمود سامی البارودی
چهارشنبه 20 خرداد 1388 2:26 PM
دارِ الصديقَ ، وَ لاَ تأمنْ بوادرهْ
فَرُبَّمَا عَادَ بَعْدَ الصِّدْقِ خَوَّانَا
يُفْضِي بِسِرِّكَ، أَوْ يَسْعَى بِأَمْرِكَ أَوْ
يَقُولُ عَنْكَ حَدِيثَ السُّوءِ بُهْتَانَا
فإنْ تنصلتَ قالوا فيكَ معرفة ً
تَنْفِي الْمِرَاءَ مَعَ الْوُدِّ الَّذِي كَانَا
وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ مَطْبُوعٌ عَلَى ظِنَنٍ
تقضي عليهِ بلبسِ الحقَّ أحيانا
و قلَّ في الناس منْ جربتهُ ، فرأى
********************
آهٍ من غربَة ٍ وفقد حبيبٍ
أَوْرَثَا مُهْجَتِي عَذاباً مَكِيثَا
لا تسلنى عمَّا أقاسى ، فإنِّى
بينَ قومٍ لا يفقهونَ حديثا
ألا ، إنَّ أخلاقَ الرجالِ وَ إنْ نمتْ
فأربعة ٌ منها تفوقُ على الكلَّ :
وَقَارٌ بِلاَ كِبْرٍ، وَصَفْحٌ بِلاَ أَذى ً
وَجُودٌ بِلاَ مَنٍّ، وَحِلْمٌ بِلاَ ذُلِّ
أتُرى الحمامَ ينوحُ من طربٍ معى
وَنَدَى الْغَمَامَة ِ يَسْتَهِلُّ لِمَدْمَعِي؟
مَا لِلنَّسِيمِ بَلِيلَة ٍ أَذْيَالُهُ؟
أَتُرَاهُ مَرَّ عَلَى جَدَاوِلِ أَدْمُعِي؟
بل ما لِهذا البرقِ مُلتهِبَ الحشا ؟
أَسَمَتْ إِلَيْهِ شَرَارَة ٌ مِنْ أَضْلُعِي؟
لم أدرِ هل شعرَ الزمانُ بِلوعتى
فرثى لَها ، أم هاجتِ الدُنيا مَعى ؟
فالغيثُ يَهمى رِقَّة ً لِصبابتى
وَالطَّيْرُ تَبْكِي رَحْمَة ً لِتَوَجُّعِي
خَطَرَاتُ شَوْقٍ، أَلْهَبَتْ بَجَوَانِحِي
نَاراً يَدِبُّ أَزِيزُهَا فِي مِسْمَعِي
وَجَوًى كَأَطْرَافِ الأَسِنَّة ِ، لَمْ يَدَعْ
لِلصَّبْرِ بَيْنَ مَقِيلِهِ مِنْ مَفْزَعِ
يأهلَ ذا النادى ! أليسَ بكم فتى ً
يَرثى لويلاتِ المشوقِ المولعِ ؟
أَبْكِي، فَيَرْحَمُنِي الْجَمَادُ، وَلاَ أَرَى
خِلاًّ يَرِقُّ إِلَى شَكَاتِي، أَوْ يَعِي
فإذا دَعوتَ بِصاحبٍ لم يَلتفِتْ
وإذا لجأتَ إلى أخٍ لم ينفَعِ
وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّنِي أَشْكُوُ الْهَوَى
والذنبُ لى فى كُلِّ ما أنا مُدَّعِى
قَدْ طَالَمَا يَا قَلْبُ قُلْتُ لَكَ احْتَرِسْ
أَرَأَيْتَ كَيْفَ يَخِيبُ مَنْ لَمْ يَسْمَعِ؟
أوقعتَ نَفسكَ فى حبائلِ خُدعة ٍ
لاَ تُسْتَقَالُ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ أَوْ دَعِ
يا ظبية المقياس ! هذا مَدمعى
فرِدِى ، وهذا روضُ قلبى فارتعى
إن كانَ لا يرضيكِ إلاَّ شِقوتى
فلقد بلغتِ مُناكِ مِنها ، فاقنَعى
أنا منكِ بينَ صبابة ٍ لاتنقضِى
أيَّامها ، وغواية ٍ لم تُقلعِ
فثِقى بِما تمليهِ ألسنة َ الهوى
وَهْيَ الدُّمُوعُ، فَحَقُّهَا لَمْ يُدْفَعِ
لاتحسبى قولى خديعة َ ماكرٍ
إِنَّ الْوَفِيَّ بعَهْدِهِ لَمْ يَخْدَعِ
إِنِّي لأَقْنَعُ مِنْ هَوَاكِ بنَظْرَة ٍ
وَأَعُدُّهَا صِلَة ً إِذَا لَمْ تَمْنَعِي
هَذِي مُنَايَ، وَحَبَّذَا لَوْ نلْتُهَا
قصيدة : أيها المغرورُ ، مهلا
أيها المغرورُ ، مهلا
لَسْتَ لِلتَّكْرِيمَ أَهْلاَ
كَيْفَ صَادَفْتَ الأَمَانِي؟
هلْ رأيتَ الصعبَ سهلا ؟
خلتها ماءً نميرا
فاشربنْ علاًّ ، وَ نهلا
أينَ أهلُ الدارِ ؟ فانظرْ
هَلْ تَرَى بِالدَّارِ أَهْلاَ؟
رُبَّ حُسْنٍ فِي ثِيَابٍ
عَادَ غِسْليناً ومُهْلاَ؟
وَعُيُونٍ كُنَّ سُوداً
صرنَ عندَ الموتِ شهلا
سَوْفَ يَلْقَى كُلُّ بَاغٍ
فِي الْوَرَى خِزْياً وَبَهْلاَ
إِنَّمَا الدُّنْيَا غُرُورٌ
لمْ تدعْ طفلاً وَ كهلا
كَمْ حَكِيمٍ ضَلَّ فِيهَا
فاكتسى بالعلمِ جهلا