بسم الله الرحمن الرحيم كلام :228
و من خطبة له ع فِي التَّوحِيدِ وَ تَجْمَعُ هذِهِ الْخُطْبَةُ مِنْ اءُصُولِ الْعِلْمِ مَا لا تَجْمَعُهُ خُطْبَةٌ غَيْرُها:
ما وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ، وَ لا حَقِيقَتَهُ اءَصابَ مَنْ مَثَّلَهُ، وَ لا إِيّاهُ عَنى مَنْ شَبَّهَهُ، وَ لا صَمَدَهُ مَنْ اءَشارَ إِلَيْهِ وَ تَوَهَّمَهُ، كُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ، وَ كُلُّ قائِمٍ فِي سِواهُ مَعْلُولٌ، فاعِلٌ لا بِاضْطِرابِ آلَةٍ، مُقَدِّرٌ لا بِجَوْلِ فِكْرَةٍ، غَنِيُّ لا بِاسْتِفادَةٍ، لاَ تَصْحَبُهُ الْاءَوْقاتُ، وَ لا تَرْفِدُهُ الْاءَدَواتُ.
سَبَقَ الْاءَوْقاتَ كَوْنُهُ، وَالْعَدَمَ وُجُودُهُ، وَالاِبْتِداءَ اءَزَلُهُ، بِتَشْعِيرِهِ الْمَشاعِرَ عُرِفَ اءَنْ لا مَشْعَرَ لَهُ، وَ بِمُضادَّتِهِ بَيْنَ الْاءُمُورِ عُرِفَ اءَنْ لا ضِدَّ لَهُ، وَ بِمُقارَنَتِهِ بَيْنَ الْاءَشْياءِ عُرِفَ اءَنْ لا قَرِينَ لَهُ، ضادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ، وَ الْوُضُوحَ بِالْبُهْمَةِ، وَالْجُمُودَ بِالْبَلَلِ، وَالْحَرُورَ بِالصَّرَدِ.
مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعادِياتِها، مُقارِنٌ بَيْنَ مُتَبايِناتِها، مُقَرِّبٌ بَيْنَ مُتَباعِداتِها، مُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدانِياتِها، لا يُشْمَلُ بِحَدٍّ، وَ لا يُحْسَبُ بِعَدٍّ، وَ إِنَّما تَحُدُّ الْاءَدَواتُ اءَنْفُسَها، وَ تُشِيرُ الْآلاتُ إ لى نَظائِرِها، مَنَعَتْها (مُنْذُ) الْقِدْمَةَ، وَ حَمَتْها (قَدُ) الْاءَزَلِيَّةَ، وَ جَنَّبَتْها (لَوْلا) التَّكْمِلَةَ.
بِها تَجَلّى صانِعُها لِلْعُقُولِ، وَ بِهَا امْتَنَعَ عَنْ نَظَرِ الْعُيُونِ، لا يَجْرِي عَلَيْهِ السُّكُونُ وَالْحَرَكَةُ، وَ كَيْفَ يَجْرِي عَلَيْهِ ما هُوَ اءَجْراهُ، وَ يَعُودُ فِيهِ ما هُوَ اءَبْداهُ، وَ يَحْدُثُ فِيهِ مَا هُوَ اءَحْدَثَهُ؟ إِذن لَتَفاوَتَتْ ذاتُهُ، وَ لَتَجَزَّاءَ كُنْهُهُ، وَ لامْتَنَعَ مِنَ الْاءَزَلِ مَعْناهُ، وَ لَكانَ لَهُ وَراءٌ إِذْ وُجِدَ لَهُ اءَمامٌ، وَ لا الْتَمَسَ التَّمامَ إِذْ لَزِمَهُ النُّقْصانُ، وَ إِذن لَقامَتْ آيَةُ الْمَصْنُوعِ فِيهِ، وَ لَتَحَوَّلَ دَلِيلاً بَعْدَ اءَنْ كانَ مَدْلُولاً عَلَيْهِ، وَ خَرَجَ بِسُلْطانِ الاِمْتِناعِ مِنْ اءَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ ما يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهِ.
الَّذِي لا يَحُولُ، وَ لا يَزُولُ، وَ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْاءُفُولُ، لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْلُودا، وَ لَمْ يُولَدْ فَيَصِيرَ مَحْدُودا، جَلَّ عَنِ اتِّخاذِ الْاءَبْناءِ، وَ طَهُرَ عَنْ مُلامَسَةِ النِّساءِ، لا تَنالُهُ الْاءَوْهامُ فَتُقَدِّرَهُ، وَ لا تَتَوَهَّمُهُ الْفِطَنُ فَتُصَوِّرَهُ، وَ لا تُدْرِكُهُ الْحَواسُّ فَتُحِسَّهُ، وَ لا تَلْمِسُهُ الْاءَيْدِي فَتَمَسَّهُ، وَ لا يَتَغَيَّرُ بِحالٍ، وَ لا يَتَبَدَّلُ فِي الْاءَحْوالِ، وَ لا تُبْلِيهِ اللَّيالِي وَالْاءَيَّامُ، وَ لا يُغَيِّرُهُ الضِّياءُ وَالظَّلامُ، وَ لا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنَ الْاءَجْزاءِ، وَ لا بِالْجَوارِحِ وَالْاءَعْضاءِ، وَ لا بِعَرَضٍ مِنَ الْاءَعْراضِ، وَ لا بِالْغَيْرِيَّةِ وَالْاءَبْعاضِ، وَ لا يُقالُ لَهُ حَدُّ وَ لا نِهايَةٌ، وَ لا انْقِطاعٌ وَ لا غايَةٌ وَ لا اءَنَّ الْاءَشْياءَ تَحْوِيهِ، فَتُقِلَّهُ اءَوْ تُهْوِيَهُ، اءَوْ اءَنَّ شَيْئا يَحْمِلُهُ فَيُمِيلَهُ اءَوْ يُعَدِلَهُ، وَ لَيْسَ فِي الْاءَشْياءِ بِوالِجٍ وَ لا عَنْها بِخارِجٍ، يُخْبِرُ لا بِلِسانٍ وَ لَهَواتٍ، وَ يَسْمَعُ لا بِخُرُوقٍ وَ اءَدَواتٍ.
يَقُولُ وَ لا يَلْفِظُ، وَ يَحْفَظُ، وَ لا يَتَحَفَّظُ، وَ يُرِيدُ وَ لا يُضْمِرُ، يُحِبُّ وَ يَرْضى مِنْ غَيْرِ رِقَّةٍ، وَ يُبْغِضُ وَ يَغْضَبُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، يَقُولُ لِما اءَرادَ كَوْنَهُ: كُنْ فَيَكُونُ، لا بِصَوْتٍ يَقْرَعُ، وَ لا بِنِداءٍ يُسْمَعُ، وَ إِنَّما كَلامُهُ سُبْحانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ اءَنْشَاءَهُ وَ مَثَّلَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذلِكَ كائِنا، وَ لَوْ كانَ قَدِيما لَكانَ إِلها ثانِيا.
لا يُقالُ كَانَ بَعْدَ اءَنْ لَمْ يَكُنْ فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثاتُ، وَ لا يَكُونُ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ فَصْلٌ، وَ لا لَهُ عَلَيْها فَضْلٌ، فَيَسْتَوِيَ الصّانِعُ وَالْمَصْنُوعُ، وَ يَتَكافَاءُ الْمُبْتَدَعُ وَالْبَدِيعُ.
خَلَقَ الْخَلائِقَ عَلى غَيْرِ مِثالٍ خَلا مِنْ غَيْرِهِ، وَ لَمْ يَسْتَعِنْ عَلى خَلْقِها بِاءَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَ اءَنْشَاءَ الْاءَرْضَ فَاءَمْسَكَها مِنْ غَيْرِ اشْتِغالٍ، وَ اءَرْساها عَلى غَيْرِ قَرارٍ، وَ اءَقامَها بِغَيْرِ قَوائِمَ، وَ رَفَعَها بِغَيْرِ دَعائِمَ، وَ حَصَّنَها مِنَ الْاءَوَدِ وَالاِعْوِجاجِ، وَ مَنَعَها مِنَ التَّهافُتِ وَالاِنْفِراجِ، اءَرْسَى اءَوْتادَها، وَ ضَرَبَ اءَسْدادَها، وَاسْتَفاضَ عُيُونَها، وَ خَدَّ اءَوْدِيَتَها، فَلَمْ يَهِنْ ما بَناهُ، وَ لا ضَعُفَ ما قَوَّاهُ.
هُوَ الظَّاهِرُ عَلَيْها بِسُلْطانِهِ وَ عَظَمَتِهِ، وَ هُوَ الْباطِنُ لَها بِعِلْمِهِ وَ مَعْرِفَتِهِ، وَالْعالِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْها بِجَلالِهِ وَ عِزَّتِهِ، لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ مِنْها طَلَبَهُ، وَ لا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فَيَغْلِبَهُ، وَ لا يَفُوتُهُ السَّرِيعُ مِنْها فَيَسْبِقَهُ، وَ لا يَحْتاجُ إِلى ذِي مالٍ فَيَرْزُقَهُ.
خَضَعَتِ الْاءَشْياءُ لَهُ، وَ ذَلَّتْ مُسْتَكِينَةً لِعَظَمَتِهِ، لا تَسْتَطِيعُ الْهَرَبَ مِنْ سُلْطانِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَتَمْتَنِعَ مِنْ نَفْعِهِ وَ ضَرِّهِ، وَ لا كُفْءَ لَهُ فَيُكافِئَهُ، وَ لا نَظِيرَ لَهُ فَيُساوِيَهُ، هُوَ الْمُفْنِي لَها بَعْدَ وُجُودِها، حَتَّى يَصِيرَ مَوْجُودُها كَمَفْقُودِها وَ لَيْسَ فَناءُ الدُّنْيا بَعْدَ ابْتِداعِها بِاءَعْجَبَ مِنْ إِنْشائِها وَ اخْتِراعِها.
وَ كَيْفَ وَ لَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ حَيَوانِها مِنْ طَيْرِها وَ بَهائِمِها، وَ ما كانَ مِنْ مُراحِها وَ سائِمِها، وَ اءَصْنافِ اءَسْناخِها وَ اءَجْناسِها، وَ مُتَبَلِّدَةِ اءُمَمِها وَ اءَكْياسِها عَلَى إِحْداثِ بَعُوضَةٍ ما قَدَرَتْ عَلى إِحْداثِها، وَ لا عَرَفَتْ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى إِيجادِها، وَ لَتَحَيَّرَتْ عُقُولُها فِي عِلْمِ ذلِكَ وَ تاهَتْ، وَ عَجَزَتْ قُواها وَ تَناهَتْ وَ رَجَعَتْ خاسِئَةً حَسِيرَةً عارِفَةً بِاءَنَّها مَقْهُورَةٌ، مُقِرَّةً بِالْعَجْزِ عَنْ إِنْشائِها، مُذْعِنَةً بِالضَّعْفِ عَنْ إِفْنائِها.
وَ إِنَّه يَعُودُ سُبْحانَهُ بَعْدَ فَناءِ الدُّنْيا وَحْدَهُ لا شَيْءَ مَعَهُ، كَما كانَ قَبْلَ ابْتِدائِها كَذلِكَ يَكُونُ بَعْدَ فَنائِها بِلا وَقْتٍ وَ لا مَكانٍ وَ لا حِينٍ وَ لا زَمانٍ، عُدِمَتْ عِنْدَ ذلِكَ الْآجالُ وَ الْاءَوْقاتُ، وَ زالَتِ السِّنُونَ وَالسَّاعاتُ، فَلا شَيْءَ إِلا اللّهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ الَّذِي إِلَيْهِ مَصِيرُ جَمِيعِ الْاءُمُورِ، بِلا قُدْرَةٍ مِنْها كانَ ابْتِداءُ خَلْقِها، وَ بِغَيْرِ امْتِناعٍ مِنْها كانَ فَناؤُها، وَ لَوْ قَدَرَتْ عَلَى الاِمْتِناعِ لَدامَ بَقاؤُها، لَمْ يَتَكاءَدْهُ صُنْعُ شَيْءٍ مِنْها إِذْ صَنَعَهُ، وَ لَمْ يَؤُدْهُ مِنْها خَلْقُ ما بَرَاءَهُ وَ خَلَقَهُ، وَ لَمْ يُكَوِّنْها لِتَشْدِيدِ سُلْطانٍ، وَ لا لِخَوْفٍ مِنْ زَوالٍ وَ نُقْصانٍ، وَ لا لِلاسْتِعانَةِ بِها عَلَى نِدٍّ مُكاثِرٍ، وَ لا لِلاحْتِرازِ بِها مِنْ ضِدٍّ مُثَاوِرٍ وَ لا لِلازْدِيادِ بِها فِي مُلْكِهِ، وَ لا لِمُكاثَرَةِ شَرِيكٍ فِي شِرْكِهِ، وَ لا لِوَحْشَةٍ كانَتْ مِنْهُ فَاءَرادَ اءَنْ يَسْتَاءْنِسَ إِلَيْها.
ثُمَّ هُوَ يُفْنِيها بَعْدَ تَكْوِينِها، لا لِسَاءَمٍ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي تَصْرِيفِها وَ تَدْبِيرِها، وَ لا لِراحَةٍ وَاصِلَةٍ إِلَيْهِ، وَ لا لِثِقَلِ شَيْءٍ مِنْها عَلَيْهِ لا يُمِلُّهُ طُولُ بَقائِها فَيَدْعُوَهُ إِلَى سُرْعَةِ إِفْنائِها، لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ دَبَّرَها بِلُطْفِهِ، وَ اءَمْسَكَها بِاءَمْرِهِ، وَ اءَتْقَنَها بِقُدْرَتِهِ.
ثُمَّ يُعِيدُها بَعْدَ الْفَناءِ مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْها، وَ لا اسْتِعانَةٍ بِشَيْءٍ مِنْهِا عَلَيْها، وَ لا لاِنْصِرافٍ مِنْ حالِ وَحْشَةٍ إِلَى حالِ اسْتِئْناس ، وَ لا مِنْ حالِ جَهْلٍ وَ عَمىً إِلى حالِ عِلْمٍ وَالْتِماسٍ، وَ لا مِنْ فَقْرٍ وَ حاجَةٍ إِلَى غِنىً وَ كَثْرَةٍ، وَ لا مِنْ ذُلِّ وَضَعَةٍ إِلى عِزٍّ وَ قُدْرَةٍ.