بسم الله الرحمن الرحيم كلام :227
و من خطبة له ع
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لا تُدْرِكُهُ الشَّواهِدُ، وَ لا تَحْوِيهِ الْمَشاهِدُ، وَ لا تَراهُ النَّواظِرُ، وَ لا تَحْجُبُهُ السَّواتِرُ، الدَّالِّ عَلى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ، وَ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلى وُجُودِهِ، وَ بِاشْتِباهِهِمْ عَلَى اءَنْ لا شَبَهَ لَهُ.
الَّذِي صَدَقَ فِي مِيعادِهِ، وَ ارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبادِهِ، وَ قامَ بِالْقِسْطِ فِي خَلْقِهِ، وَ عَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ، مُسْتَشْهِدٌ بِحُدُوثِ الْاءَشْياءِ عَلَى اءَزَلِيَّتِهِ، وَ بِما وَ سَمَها بِهِ مِنَ الْعَجْزِ عَلَى قُدْرَتِهِ، وَ بِما اضْطَرَّها إِلَيْهِ مِنَ الْفَناءِ عَلى دَوامِهِ، واحِدٌ لا بِعَدَدٍ، وَ دائِمٌ لا بِاءَمَدٍ، وَ قائِمٌ لا بِعَمَدٍ، تَتَلَقّاهُ الْاءَذْهانُ لا بِمُشاعَرَةٍ، وَ تَشْهَدُ لَهُ الْمَرائِي لا بِمُحاضَرَةٍ.
لَمْ تُحِطْ بِهِ الْاءَوْهامُ، بَلْ تَجَلَّى لَها بِها، وَ بِها امْتَنَعَ مِنْها وَ إِلَيْها حاكَمَها، لَيْسَ بِذِي كِبَرٍ امْتَدَّتْ بِهِ النِّهاياتُ فَكَبَّرَتْهُ تَجْسِيما، وَ لا بِذِي عِظَمٍ تَناهَتْ بِهِ الْغاياتُ فَعَظَّمَتْهُ تَجْسِيدا، بَلْ كَبُرَ شَاءنا، وَ عَظُمَ سُلْطَانا.
وَ اءَشْهَدُ اءَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ الصَّفِيُّ وَ اءَمِينُهُ الرَّضِيُّ، ص اءَرْسَلَهُ بِوُجُوبِ الْحُجَجِ، وَ ظُهُورِ الْفَلَجِ، وَ إِيضاحِ الْمَنْهَجِ، فَبَلَّغَ الرِّسالَةَ صادِعا بِها، وَ حَمَلَ عَلَى الْمَحَجَّةِ دالًّا عَلَيْها، وَ اءَقامَ اءَعْلامَ الاِهْتِداءِ، وَ مَنارَ الضِّياءِ، وَ جَعَلَ اءَمْراسَ الْإِسْلامِ مَتِينَةً، وَ عُرَى الْإِيمانِ وَثِيقَةً.
مِنْها فِي صِفَةِ عَجِيبِ خَلْقِ اءَصْنافٍ مِنَ الْحَيَوانِ:
وَ لَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ، وَ جَسِيمِ النِّعْمَةِ، لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ، وَ خافُوا عَذابَ الْحَرِيقِ، وَ لَكِنِ الْقُلُوبُ عَلِيلَةٌ، وَ الْبَصارَ مَدْخُولَةٌ، اءَلا يَنْظُرُونَ إِلى صَغِيرِ ما خَلَقَ كَيْفَ اءَحْكَمَ خَلْقَهُ، وَ اءَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ، وَ فَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ سَوّى لَهُ الْعَظْمَ وَ الْبَشَرَ؟
انْظُرُوا إِلَى النَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِها، وَ لَطافَةِ هَيْئَتِها، لا تَكادُ تُنالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ، وَ لا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ، كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى اءَرْضِها، وَ صُبَّتْ عَلَى رِزْقِها، تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إ لى جُحْرِها وَ تُعِدُّها فِي مُسْتَقَرِّها، تَجْمَعُ فِي حَرِّها لِبَرْدِها، وَ فِي وِرْدِها لِصَدَرِها، مَكْفُولَةٌ بِرِزْقِها، مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِها، لا يُغْفِلُها الْمَنّانُ، وَ لا يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ، وَ لَوْ فِي الصَّفَا الْيابِسِ، وَ الْحَجَرِ الْجامِسِ.
وَ لَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجارِي اءَكْلِها وَ فِي عُلْوِها وَ سُفْلِها، وَ ما فِي الْجَوْفِ مِنْ شَراسِيفِ بَطْنِها، وَ ما فِي الرَّاءسِ مِنْ عَيْنِها وَ اءُذُنِها، لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِها عَجَبا وَ لَقِيتَ مِنْ وَصْفِها تَعَبا.
فَتَعالَى الَّذِي اءَقامَها عَلى قَوائِمِها، وَ بَناها عَلى دَعائِمِها، لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِها فاطِرٌ، وَ لَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِها قادِرٌ.
وَ لَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غاياتِكَ ما دَلَّتْكَ الدَّلالَةُ إِلا عَلى اءَنَّ فاطِرَ النَّمْلَة هُوَ فاطِرُ النَّحْلَةِ، لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْءٍ، وَ غامِضِ اخْتِلافِ كُلِّ حَيِّ، وَ ما الْجَلِيلُ وَ اللَّطِيفُ، وَ الثَّقِيلُ وَ الْخَفِيفُ، وَ الْقَوِيُّ وَ الضَّعِيفُ فِي خَلْقِهِ إِلا سَواءٌ، وَ كَذلِكَ السَّماءُ وَ الْهَواءُ، وَ الرِّياحُ وَ الْماءُ.
فَانْظُرْ إِلى الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ، وَ النَّباتِ وَ الشَّجَرِ، وَ الْماءِ وَ الْحَجَرِ، وَ اخْتِلافِ هذَا اللَّيْلِ وَ النَّهارِ، وَ تَفَجُّرِ هذِهِ الْبِحارِ، وَ كَثْرَةِ هَذِهِ الْجِبالِ وَ طُولِ هَذِهِ الْقِلالِ، وَ تَفَرُّقِ هَذِهِ اللُّغاتِ، وَ الْاءَلْسُنِ الْمُخْتَلِفاتِ، فَالْوَيْلُ لِمَنْ اءَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ، وَ جَحَدَ الْمُدَبِّرَ!
زَعَمُوا اءَنَّهُمْ كَالنَّباتِ ما لَهُمْ زارِعٌ، وَ لا لاِخْتِلافِ صُوَرِهِمْ صانِعٌ، وَ لَمْ يَلْجَؤُوا إ لى حُجَّةٍ فِيما ادَّعَوْا، وَ لا تَحْقِيقٍ لِماوَعَوْا، وَ هَلْ يَكُونُ بِناءٌ مِنْ غَيْرِ بانٍ، اءَوْ جِنايَةٌ مِنْ غَيْرِ جانٍ؟
وَ إِنْ شِئتَ قُلْتَ فِي الْجَرادَةِ إِذْ خَلَقَ لَهَا عَيْنَيْنِ حَمْراوَيْنِ، وَ اءَسْرَجَ لَهَا حَدَقَتَيْنِ قَمْراوَيْنِ، وَ جَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِيَّ، وَ فَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِيَّ، وَ جَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِيَّ، وَ نابَيْنِ بِهِما تَقْرِضُ، وَ مِنْجَلَيْنِ بِهِما تَقْبِضُ، يَرْهَبُها الزُّرَّاعُ فِي زَرْعِهِمْ، وَ لا يَسْتَطِيعُونَ ذَبَّها وَ لَوْ اءَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ، حَتَّى تَرِدَ الْحَرْثَ فِي نَزَواتِها، وَ تَقْضِيَ مِنْهُ شَهَواتِها، وَ خَلْقُها كُلُّهُ لا يُكَوِّنُ إِصْبَعا مُسْتَدِقَّةً.
فَتَبارَكَ اللَّهُ الَّذِي يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْاءَرْضِ طَوْعا وَ كَرْها، وَ يُعَفِّرُ لَهُ خَدّا، وَ وَجْها، وَ يُلْقِي بِالطَّاعَةِ إِلَيْهِ سِلْما وَ ضَعْفا، وَ يُعْطِي لَهُ الْقِيادَ رَهْبَةً وَ خَوْفا، فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ لِاءَمْرِهِ، اءَحْصى عَدَدَ الرِّيشِ مِنْها وَالنَّفَسِ، وَ اءَرْسَى قَوائِمَها عَلَى النَّدى وَالْيَبَسِ، وَ قَدَّرَ اءَقْواتَها، وَ اءَحْصى اءَجْناسَها.
فَهذا غُرابٌ وَ هذا عُقابٌ، وَ هذا حَمَامٌ وَ هذا نَعامٌ، دَعا كُلَّ طائِرٍ بِاسْمِهِ، وَ كَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ، وَ اءَنْشَاءَ السَّحابَ الثِّقَالَ فَاءَهْطَلَ دِيَمَها، وَ عَدَّدَ قِسَمَها، فَبَلَّ الْاءَرْضُ بَعْدَ جُفُوفِها، وَ اءَخْرَجَ نَبْتَها بَعْدَ جُدُوبِها.