بسم الله الرحمن الرحيم كلام :164
و من خطبة له ع يَذْكُرُ فِيها عَجِيبَ خِلْقَةِ الطاوُوسِ:
ابْتَدَعَهُمْ خَلْقا عَجِيبا مِنْ حَيَوانٍ وَ مَواتٍ، وَساكِنٍ وَذِي حَرَكاتٍ، وَ اءَقامَ مِنْ شَواهِدِ الْبَيِّناتِ عَلَى لَطِيفِ صَنْعَتِهِ وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ، مَاانْقادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ وَ مَسَلِّمَةً لَهُ، وَنَعَقَتْ فِي اءَسْماعِنا دَلائِلُهُ عَلَى وَحْدانِيَّتِهِ، وَ ما ذَرَاءَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ الْاءَطْيَارِ الَّتِي اءَسْكَنَها اءَخادِيدَ الْاءَرْضِ وَ خُرُوقَ فِجاجِها وَرَواسِيَ اءَعْلامِها، مِنْ ذَواتِ اءَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَ هَيْئاتٍ مُتَبايِنَةٍ، مُصَرَّفَةٍ فِي زِمامِ التَّسْخِيرِ، وَ مُرَفْرِفَةٍ بِاءَجْنِحَتِها فِي مَخارِقِ الْجَوِّ الْمُنْفَسِحِ وَالْفَضاءِ الْمُنْفَرِجِ، كَوَّنَها بَعْدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ فِي عَجَائِبِ صُوَرٍ ظاهِرَةٍ، وَرَكَّبَها فِي حِقاقِ مَفاصِلَ مُحْتَجِبَةٍ، وَمَنَعَ بَعْضَها بِعَبالَةِ خَلْقِهِ اءَنْ يَسْمُوَ فِي الْهَوَاءِ خُفُوفا، وَ جَعَلَهُ يَدِفُّ دَفِيفا، وَ نَسَقَها عَلَى اخْتِلافِها فِي الْاءَصابِيغِ بِلَطِيفِ قُدْرَتِهِ، وَدَقِيقِ صَنْعَتِهِ.
فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي قالَبِ لَوْنٍ لا يَشُوبُهُ غَيْرُ لَوْنِ ما غُمِسَ فِيهِ، وَ مِنْها مَغْمُوسٌ فِي لَوْنِ صِبْغٍ قَدْ طُوِّقَ بِخِلاَفِ مَا صُبِغَ بِهِ، وَ مِنْ اءَعْجَبِها خَلْقا الطَّاوُسُ الَّذِي اءَقامَهُ فِي اءَحْكَمِ تَعْدِيلٍ، وَ نَضَّدَ اءَلْوَانَهُ فِي اءَحْسَنِ تَنْضِيدٍ، بِجَنَاحٍ اءَشْرَجَ قَصَبَهُ، وَ ذَنَبٍ اءَطالَ مَسْحَبَهُ، إِذا دَرَجَ إِلَى الْاءُنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ وَسَما بِهِ مُظِلاًّ عَلَى رَاءْسِهِ، كَاءَنَّهُ قِلْعُ دارِيِّ عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ، يَخْتالُ بِاءَلْوانِهِ، وَ يَمِيسُ بِزَيَفانِهِ، يُفْضِي كَإِفْضَاءِ الدِّيَكَةِ، وَ يَؤُرُّ بِمَلاقِحِهِ اءَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ!
اءُحِيلُكَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مُعايَنَةٍ، لا كَمَنْ يُحِيلُ عَلَى ضَعِيفٍ إِسْنَادُهُ، وَ لَوْ كَانَ كَزُعْمِ مَنْ يَزْعُمُ اءَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَنْسِجُها مَدَامِعُهُ، فَتَقِفُ فِي ضَفَّتَيْ جُفُونِهِ، وَ اءَنَّ اءُنْثاهُ تَطْعَمُ ذلِكَ ثُمَّ تَبِيضُ لا مِنْ لِقاحِ فَحْلٍ سِوَى الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ، لَما كانَ ذلِكَ بِاءَعْجَبَ مِنْ مُطاعَمَةِ الْغُرابِ.
تَخالُ قَصَبَهُ مَدارِيَ مِنْ فِضَّةٍ، وَ ما اءُنْبِتَ عَلَيْها مِنْ عَجِيبِ داراتِهِ وَ شُمُوسِهِ خَالِصَ الْعِقْيَانِ وَ فِلَذَ الزَّبَرْجَدِ، فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِما اءَنْبَتَتِ الْاءَرْضُ قُلْتَ: جَنِىُّ جُنِيَ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبِيعٍ، وَ إِنْ ضاهَيْتَهُ بِالْمَلابِسِ فَهُوَ كَمَوْشِيِّ الْحُلَلِ، اءَوْمُونِقِ عَصْبِ الْيَمَنِ، وَ إِنْ شاكَلْتَهُ بِالْحُلِيِّ فَهُوَ كَفُصُوصٍ ذاتِ اءَلْوَانٍ قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَيْنِ الْمُكَلَّلِ.
يَمْشِي مَشْيَ الْمَرِحِ الْمُخْتالِ، وَ يَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَ جَناحَيْهِ، فَيُقَهْقِهُ ضاحِكا لِجَمالِ سِرْبالِهِ، وَ اءَصابِيغِ وِشاحِهِ.
فَإِذا رَمى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوائِمِهِ زَقا مُعْوِلاً بِصَوْتٍ يَكادُ يُبِينُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ، وَ يَشْهَدُ بِصادِقِ تَوَجُّعِهِ، لِاءَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوائِمِ الدِّيَكَةِ الْخِلاسِيَّةِ، وَ قَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ ساقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ، وَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ، وَ مَخْرَجُ عَنُقِهِ كَالْإِبْرِيقِ، وَ مَغْرِزُها إِلى حَيْثُ بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الْيَمانِيَّةِ، اءَوْ كَحَرِيرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذاتَ صِقالٍ، وَ كَاءَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ اءَسْحَمَ إِلا اءَنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ وَ شِدَّةِ بَرِيقِهِ اءَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ، وَ مَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطُّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِي لَوْنِ الْاءُقْحُوَانِ، اءَبْيَضُ يَقَقٌ، فَهُوَ بِبَيَاضِهِ فِي سَوادِ ما هُنالِكَ يَأْتَلِقُ، وَ قَلَّ صِبْغٌ إِلا وَ قَدْ اءَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ، وَ عَلاهُ بِكَثْرَةِ صِقالِهِ وَ بَرِيقِهِ وَ بَصِيصِ دِيباجِهِ وَرَوْنَقِهِ، فَهُوَ كَالْاءَزاهِيرِ الْمَبْثُوثَةِ لَمْ تُرَبِّها اءَمْطارُ رَبِيعٍ وَ لا شُمُوسُ قَيْظٍ، وَ قَدْ يَنْحَسِرُ مِنْ رِيشِهِ، وَ يَعْرى مِنْ لِباسِهِ، فَيَسْقُطُ تَتْرَى ، وَ يَنْبُتُ تِبَاعا، فَيَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ اءَوْراقِ الْاءَغْصانِ، ثُمَّ يَتَلاحَقُ نامِيا حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ، لا يُخالِفُ سالِفَ اءَلْوانِهِ، وَ لا يَقَعُ لَوْنٌ فِي غَيْرِ مَكانِهِ.
وَ إِذا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَراتِ قَصَبِهِ اءَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِيَّةً، وَ تارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِيَّةً، وَ اءَحْيَانا صُفْرَةً عَسْجَدِيَّةً.
وَ كَيْفَ تَصِلُ إِلى صِفَةِ هذا عَمائِقُ الْفِطَنِ، اءَوْ تَبْلُغُهُ قَرائِحُ الْعُقُولِ، اءَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ اءَقْوَالُ الْواصِفِينَ، وَ اءَقَلُّ اءَجْزائِهِ قَدْ اءَعْجَزَ الْاءَوْهامَ اءَنْ تُدْرِكَهُ، وَالْاءَلْسِنَةَ اءَنْ تَصِفَهُ، فَسُبْحانَ الَّذِي بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلَّاهُ لِلْعُيُونِ فَاءَدْرَكَتْهُ مَحْدُودا مُكَوَّنا وَ مُؤَلَّفا مُلَوَّنا، وَ اءَعْجَزَ الْاءَلْسُنَ عَنْ تَلْخِيصِ صِفَتِهِ، وَ قَعَدَ بِها عَنْ تَاءْدِيَةِ نَعْتِهِ.
سُبْحَانَ مَنْ اءَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّةِ وَالْهَمَجَةِ إ لى ما فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الْحِيتانِ وَالْفِيَلَةِ، وَ وَاءَى عَلَى نَفْسِهِ اءَنْ لا يَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا اءَوْلَجَ فِيهِ الرُّوحَ إِلا وَ جَعَلَ الْحِمامَ مَوْعِدَهُ وَالْفَنَاءَ غَايَتَهُ.
مِنْهَا فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ:
فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ ما يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدائِعِ ما اءُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِها وَ لَذَّاتِها وَ زَخارِفِ مَناظِرِها، وَ لَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفاقِ اءَشْجَارٍ غُيِّبَتْ عُرُوقُها فِي كُثْبانِ الْمِسْكِ عَلَى سَواحِلِ اءَنْهارِها، وَ فِي تَعْلِيقِ كَبائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِي عَسالِيجِها وَ اءَفْنانِها، وَ طُلُوعِ تِلْكَ الثِّمارِ مُخْتَلِفَةً فِي غُلُفِ اءَكْمامِها، تُجْنَى مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ، فَتَاءْتِي عَلَى مُنْيَةِ مُجْتَنِيهَا، وَ يُطافُ عَلَى نُزَّالِها فِي اءَفْنِيَةِ قُصُورِها بِالْاءَعْسالِ الْمُصَفَّقَةِ، وَالْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ، قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَةُ تَتَمادى بِهِمْ حَتَّى حَلُّوا دارَ الْقَرارِ، وَ اءَمِنُوا نُقْلَةَ الْاءَسْفَارِ.
فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ اءَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إِلَى ما يَهْجُمُ عَلَيْكَ مِنْ تِلْكَ الْمَناظِرِ الْمُونِقَةِ لَزَهِقَتْ نَفْسُكَ شَوْقا إِلَيْهَا، وَ لَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِي هَذا إِلَى مُجاوَرَةِ اءَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالا بِهَا، جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْعَى بِقَلْبِهِ إِلى مَنازِلِ الْاءَبْرارِ بِرَحْمَتِهِ.
تَفْسيِرُ بَعْضِ ما فِي هذِهِ الْخَطبَةِ مِنَ الْغَرِيبِ:
قال السيد الشريف رضي الله عنه :
قَولُهُ ع : ((يَؤُرُ بِمَلاقِحِهِ)) الا رُ: كِنايَةُ عَنِ النُكاح يُقالُ: اءَرَّ الرَّجُلُ الْمَراءَةَ يَؤُرُها، إ ذا نَكحَها، وَ قَولهُ ع : ((كَاءَنَّهُ قِلْعُ دارِي عَنَجَهُ نُوتِيُهُ الْقِلْعُ شِراعُ السَّفِينَةِ، وَ دارىٍُّّ مَنسُوبُ إ لى دارِينَ وَ هِىٍَّ بَلْدَةْ عَلَى الْبَحْرِ يُجْلَبُ مِنْهَا الطَّيبُ، وز عَنَجُه ، اءَي : عَطَفَهُ، يُقالُ: عَنَجْتُ النَاقَةَ كَنَصَرْتُ اءَعْنُجُها إ ذا عَطَفْتُها، وَ النُوتىٍُّّ: الْمَلاّحُ. وَ قَوْلُهُ ع : ((ضَفَّتَىٍّْ جُفُونِهِ))، اءرادَ جانِبَْى جُفُونِهِ، وَ الضَّفَّتانِ: الْجانِبانِ. وَ قَولُهُ ع : وَ فِلَذَ الزَّبَرْجَدِ)) الْفِلَذُ: جَمْعُ فِلْذَةٍ، وَ هِىٍَّ الْقِطْعَةُ، وَ الكَبائِسُ: جَمْعُ الْكِباسَةِ وَ هِىَ العِذْقُ، وَ الْعَسالِيجُ: الغُصُونُ، واحِدُها عُسْلُوجُ.