بسم الله الرحمن الرحيم كلام :154
و من خطبة له ع يَذْكُرُ فِيها بَدِيعَ خِلْقَةِ الْخُفَاشِ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى انْحَسَرَتِ الْاءَوْصافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَرَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ فَلَمْ تَجِدْ مَساغا إِلى بُلُوغِ غايَةِ مَلَكُوتِهِ، هُوَاللَّهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، اءَحَقُّ وَ اءَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ، لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدِيدٍ فَيَكُونَ مُشَبَّها، وَ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْاءَوْهامُ بِتَقْدِيرٍ فَيَكُونَ مُمَثَّلاً، خَلَقَ الْخَلْقَ عَلى غَيْرِ تَمْثِيلٍ وَ لا مَشُورَةِ مُشِيرٍ وَ لا مَعُونَةِ مُعِينٍ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِاءَمْرِهِ، وَ اءَذْعَنَ لِطاعَتِهِ، فَاءَجابَ وَ لَمْ يُدافِعْ، وَانْقَادَ وَ لَمْ يُنازِعْ.
وَ مِنْ لَطائِفِ صَنْعَتِهِ، وَ عَجائِبِ خِلْقَتِهِ، ما اءَرانا مِنْ غَوامِضِ الْحِكْمَةِ فِى هَذِهِ الْخَفافِيش الَّتِى يَقْبِضُهَا الضِّياءُ الْباسِطُ لِكُلِّ شَىْءٍ، وَ يَبْسُطُهَا الظَّلامُ الْقابِضُ لِكُلِّ حَي ، وَ كَيْفَ عَشِيَتْ اءَعْيُنُها عَنْ اءَنْ تَسْتَمِدَّ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ نُورا تَهْتَدِى بِهِ فِى مَذاهِبِها، وَ تَتَّصِلُ بِعَلانِيَةِ بُرْهانِ الشَّمْسِ إِلى مَعارِفِها، وَرَدَعَها بِتَلَاءْلُؤِ ضِيائِها عَنِ الْمُضِىِّ فِى سُبُحاتِ إِشْراقِها، وَ اءَكَنَّها فِى مَكامِنِها عَنِ الذَّهابِ فِى بُلَجِ ائْتِلاقِها، فَهِىَ مُسْدَلَةُ الْجُفُونِ بِالنَّهارِ عَلى اءَحْداقِها، وَ جاعِلَةُ اللَّيْلِ سِراجا تَسْتَدِلُّ بِهِ فِى الْتِمَاسِ اءَرْزاقِها، فَلا يَرُدُّ اءَبْصارَها إِسْدافُ ظُلْمَتِهِ، وَ لا تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِىِّ فِيهِ لِغَسَقِ دُجْنَتِهِ، فَإِذا اءَلْقَتِ الشَّمْسُ قِناعَها، وَبَدَتْ اءَوْضاحُ نَهارِها، وَ دَخَلَ مِنْ إِشْراقِ نُورِها عَلَى الضِّبابِ فِى وِجارِها، اءَطْبَقَتِ الْاءَجْفانَ عَلَى مَآقِيها، وَ تَبَلَّغَتْ بِما اكْتَسَبَتْهُ مِنَ الْمَعاشِ فِى ظُلَمِ لَيالِيها.
فَسُبْحانَ مَنْ جَعَلَ اللَّيْلَ لَها نَهارا وَ مَعاشا، وَالنَّهارَ سَكَنا وَ قَرارا، وَ جَعَلَ لَها اءَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِها تَعْرُجُ بِها عِنْدَ الْحاجَةِ إِلى الطَّيَرانِ كَاءَنَّها شَظايَا الْآذانِ، غَيْرَ ذَواتِ رِيشٍ وَ لا قَصَبٍ، إِلا اءَنَّكَ تَرى مَواضِعَ الْعُرُوقِ بَيِّنَةً اءَعْلاما، لَها جَناحانِ لَمْ يَرِقّا فَيَنْشَقّا، وَ لَمْ يَغْلُظا فَيَثْقُلا، تَطِيرُ وَ وَلَدُها لاصِقٌ بِها، لاجِئٌ إِلَيْها، يَقَعُ إِذا وَقَعَتْ، وَ يَرْتَفِعُ إِذا ارْتَفَعَتْ، لا يُفارِقُها حَتّى تَشْتَدَّ اءَرْكانُهُ، وَ يَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَناحُهُ، وَيَعْرِفَ مَذاهِبَ عَيْشِهِ وَ مَصالِحَ نَفْسِهِ، فَسُبْحانَ الْبارِئُ لِكُلِّ شَىْءٍ عَلى غَيْرِ مِثالٍ خَلا مِنْ غَيْرِهِ.