0

شعر الطبیعة فی الأدب الأندلسی

 
sifalaw
sifalaw
کاربر نقره ای
تاریخ عضویت : خرداد 1388 
تعداد پست ها : 1637
محل سکونت : اصفهان

شعر الطبیعة فی الأدب الأندلسی

شعر الطبیعة فی الأدب الأندلسی
توطئة:

ما لبث العرب إن استقروا فی الأندلس، ورحل إلیها شعراؤهم، حتى بدأ الشعر الأندلسی یشق طریقه إلى الوجود، ویقوى، وتتنوع فنونه، و لم ینقض وقت طویل، حتى نظم الأندلسیون أشعارهم...
ومما یلفت النظر شیوع الشعر فی المجتمع الأندلسی، إذ لم یكن الشعر وقفًا على الشعراء المحترفین وإنما شاركهم فی ذلك الأمراء والوزراء والكتاب والفقهاء والفلاسفة والأطباء وأهل النحو واللغة وغیرهم. فالمجتمع الأندلسی بسبب تكوینه الثقافی القائم على علوم العربیة وآدابها، ثم طبیعة الأندلس التی تستثیر العواطف وتحرك الخیال، كل ذلك جعل المجتمع یتنفس الشعر طبعًا وسلیقة وكأنما تحول معظم أهله إلى شعراء.)
الشعر فی الأندلس:

والشعر فی الأندلس امتداد للشعر العربی فی المشرق؛ فقد كإن الأندلسیون متعلقین بالمشرق، ومتأثرین بكل جدید فیه عن طریق الكتب التی تصل إلیهم منه، أو العلماء الذین یرحلون من الشرق أو الأندلسیین الذین یفدون إلى الشرق للحج أو لطلب العمل؛ وكانوا فی غالب أمرهم مقلدین للمشارقة، ویبدو ذلك واضحاً فی ألقاب الشعراء وفی معارضاتهم لشعراء المشرق. ولكن هذا التقلید لم یمنعهم من الإِبداع والابتكار، والتمیز بمیزات تخصهم نتیجة لعوامل كثیرة،. ویمثل الشعر خاصة أحد جوانب الحضارة العربیة الأندلسیة، حیث عبر عن قوالب تلك الحضارة وعن مضمونها
من الموضوعات التی شاعت فی الأندلس وازدهرت كثیراً شعرالطبیعة
فقد وهب الله الأندلس طبیعة ساحرة ووافرة جمالاً.. جبالها الخضراء وسهولها الجمیلة، وتغرید طیورها على أفنان أشجارها... كل ذلك له أثره فی جمال الأندلس التی تنعم بیئتها بالجمال , وتصطبغ بظلال, وارفة, و ألوان ساحرة, تتنفس بجو عبق عطر یضاعف من روعته وبهائه ما یتخلل جنباتها من مواطن السحر,ومظاهر الفتنة التی تبعث الانبهار والدهشة فی النفوس. وقد أنعكس ذلك فی شعر الأندلسیین بشكل عام, حیث ازدحم بصور متنوعة ملونة تمثل البیئة الطبیعیة فی هذه الرقعة المسماة بالأندلس. ومن هنا تشكلت صورة الأندلس فی الأذهان متقاربة فی أوصافها وألوانها وقسماتها...
هذه الصورة على العموم تأخذ عطرها وعبقها وملامحها وألوانها من الطبیعة, فهی أقرب إلى لوحة فنیة ناطقة, إنها بستان زاهٍ أو حدیقة غناء أو واحة خضراء.
وهذا ولا شك ما جعل وصف الطبیعة من ابرز أغراض الشعر عند شعراء الأندلس،حیث تهیائت لهم أسباب الشعر ودواعیه فشغفت بها القلوب وهامت بها النفوس.
ومن هنا نجد تَعَلُّق الأندلسیین بها، یسرحون النظر فی خمائلها، وأخذ الشعراء والكتاب ینظمون درراً فی وصف ریاضها ومباهج جنانها.
یقول  ابن   خفاجة :
یا أهل الأندلس لله دركم ماء وظل وأنهار وأشجار
ماجنة الخلد إلا فی دیاركم ولو تخیرت هذا كنت اختار
و قال آخر:
حـبذا أنـدلسٍ من بـلدٍ لم تـزل تنتج لـی كل سـرورْ
طـائرٌ شادٍ وظـلٌ وارفٌ ومـیاهٌ سائحـاتٌ وقـصــور


ولم یكن جمال الطبیعة فی الأندلس هو وحده الذی ساعد على ازدهار شعر الطبیعة هذا، بل أن حیاة المجتمع الأندلسی أثرت أیضاً فی هذا الشعر، الذی یمثل تعلق الشعراء الأندلسیین ببیئتهم وتفضیلها على غیرها من البیئات، ولكون الشعر عندهم یصف طبیعة الأندلس سواء الطبیعیة أو الصناعیة، فهم یصورونها عن طریق الطبیعة كما أبدعها الله فی الحقول والریاض والأنهار والجبال والسماء والنجوم، ویصفونها كما صورها الفن لدیهم فی القصور والمساجد والبرك والأحواض وغیرها
و قد كان وصف الطبیعة فی الشعر العربی منذ العصر الجاهلی إذ وصف الشعراء صحراءهم وتفننوا فی وصفها لكن هذا الوصف لم یتعد الجانب المادی وفی العصر الأموی والعباسی عندما انتقل العرب المسلمون إلى البلدان المفتوحة وارتقت حیاتهم الاجتماعیة أضافت على وصف الطبیعة وصف المظاهر المدنیَّة والحضارة وتفننوا , فمن ذلك فقد وصف الطبیعة عند الشعراء العباسیین أمثال النجدی والصنوبری وأبی تمام وأبی بكر النجدی الذی عاش فی بیئة حلب ولكن ما الجدید الذی جاء به الأندلسیون بحیث أن هذا الموضوع أصبح من الأغراض والموضوعات التی عرف بها أصل الأندلس.
عوامل ازدهار شعر الطبیعة فی الشعر الأندلسی:

• ازدهار الحضارة العربیة فی الأندلس ازدهارا كبیرا وهذا الازدهار الذی شمل جمیع جوانب الحیاة الأندلسیة .
• جمال الطبیعة الأندلسیة التی افتتن بها شعراء الأندلس وتعلقوا بها وفصَّلوا فی وصفها والتغنی بمفاتنها .
• ازدهار مجالس الأنس والبهجة واللهو حیث كانت هذه المجالس تُعقدُ فی أحضان الطبیعة .
خصائص شعر الطبیعة
• أفرد شعراء الطبیعة فی الأندلس قصائد مستقلة ومقطوعات شعریة خاصة فی هذا الغرض بحیث تستطیع هذه القصائد باستیعاب طاقة الشاعر التصویریة وخیاله التصوری , غیر الالتزام الذی تسیر علیه القصیدة العربیة فلم یترك الشاعر زاویة من زوایا الطبیعة إلا وطرقها .
• یعتبر شعر الطبیعة فی الأندلس صورة دقیقة لبیئة الأندلس ومرآة صادقة لطبیعتها وسحرها وجمالها فقد وصفوا طبیعة الأندلس الطبیعیة والصناعیة مُمَثَّلة فی الحقول والریاض والأنهار والجبال وفی القصور والبرك والأحواض .
• تُعد قصائد الطبیعة فی الأندلس لوحات بارعة الرسم أنیقة الألوان محكمة الظلال تشد انتباه القارئ وتثیر اهتمامه .
• أصبح شعراء الطبیعة نظراً للاهتمام به یحل محل أبیات النسیب فی قصائد المدیح , بل إن قصیدة الرثاء لا تخلو من جانب من وصف الطبیعة .
• أصبحت الطبیعة بالنسبة لشعراء الأندلس ملاذاً وملجأ لهم یبثونها همومهم وأحزانهم وأفراحهم وأتراحهم إلا أن جانب الفرح والطرب غلب على وصف الطبیعة فتفرح كما یفرحون وتحزن كما یحزنون .
• وصف الطبیعة عند شعراء الأندلس مرتبطاً ومتصلاً بالغزل والخمر ارتباطاً وثیقاً فوصف الطبیعة هو الطریق إلیها فكانت مجالس الغزل والخمر لا تعقد إلا فی أحضان الطبیعة .
• المرأة فی الأندلس صورة من محاسن الطبیعة , والطبیعة ترى فی المرأة ظلها وجمالها فقد وصفوا المرأة بالجنة والشمس , بل إنهم إذا تغزلوا صاغوا من الورد خدوداً ومن النرجس عیوناً ومن السفرجل نهوداً ومن قصب السكر قدوداً ومن ابنة العنب ( الخمر ) رضابا
.
أصناف من الوصف فی شعر الطبیعة:
هنا سنعرض بض الاصناف التی امتاز الشعراء فی وصفها وتصویرها حتى ان قارئ القصیدة یسلتهم جمالها وكانه یراها امامه, وقد استقراء الشعراء مجال البئة وتضاریسها ومعطیات الحیات الكونیة فیها.
وسنستهل تلك الاصناف بمایلى:-

ــ الروضیات:
وهو الشعر المختص فی الریاض وما یتصل بها.
سنستهل الكلام عن الروّضِیات بهذه الأبیات الرائعة للقاضی أبو الحسن بن زنباع التی یصف قصة الطبیعة وفعل السحاب والأمطار فی الأرض التی تتسربل بعدهما بحلتها الجمیلة فتتفتح أزهارها وتنضج ثمارها حیث قال(2)

أبدت لنا الأیامُ زهرة طیبها وتسربلت بنضیرها وقشیبها
واهتزعِطف الأرض بعد خشوعها وبدت بها النعماء بعد شحوبها
وتطلعت فی عنفوان شبابها من بعد ما بلغت عتیَّ مشیبها
وقفت علیها السحبُ وقفة راحم فبكت لها بعیونها وقلوبها
فعجبتُ للأزهار كیف تضاحكت ببكائها وتبشرت بقطوبها
وتسربلت حللاً تجر ذیولها من لدمها فیها وشق جیوبها
فلقد أجاد المزن فی إنجادها وأجاد حرُّ الشمس فی تربیبها
وهذه أبیات جمیلة للشاعر الوزیر عبدا لله بن سماك والذی یقول فیها:
الروض مخضرٌ الربى متجملٌ للناظرین بأجمل الألوانِ
وكأنما بسطت هناك شوارها خودٌ زهت بقلائد العقیانِ
والطیر تسجع فی الغصون كأنما نقرُالقِیان حنت على العیدانِ
والماء مطَّردٌ یسیل لعابه كسلاسلٍ من فضةٍ وجمانِ
بهجات حسنٍ أُكملت فكأنها حسن الیقین وبهجة الإیمانِ

ــ الزهریات : الشعر المختص بالأزاهیر .

وقد وصف الأندلسیون الأزهار وأكثروا فی هذا النوع من الوصف فوصفوا الورد والنرجس والشقائق والنیلوفر والیاسمین والقرنفل واللوز وغیر ذلك مما وقعت علیه عیونهم فی تلك الطبیعة الخلابة من زهریات وسنستعرض بعض
الأمثلة الجمیلة التی قیلت فی بعض منها,فهذا  ابن  حمدیس یرثی باقة ورد أصابها الذبول فتحرق حزناً وأسى علیها فقال هذین البیتین
یا باقة فی یمینی بالردى ذبلت أذاب قلبی علیها الحزن والأسفُ
ألم تكونی لتاج الحسن جوهرةً لما غرقتِ،فهلاَّ صانك الصدفُ
وهذه أبیات فی زهرة الیاسمین للمعتضد بالله عباد بن محمد بن عباد یصفها مشبهاً إیاها بكواكب مبیضة فی السماء ویشبه الشعیرات الحمراء التی تنسرح فی صفحتها بخد حسناء بدا ما بدا فیه من آثار فیقول:
أنما یاسـمیننا الغضُّ كواكبٌ فی السماء تبیضُّ
والطرق الحمر فی جوانبه كخد حسناء مسه عضُّ
ویقول  ابن  حمدیس فی وصف النیلوفر:
ونیلوفرٍ أوراقه مستدیرةٌ تفتَّح فیما بینهن له زهرُ
كما اعترضت خُضر التراس وبینها عواملُ أرماحٍ أسنَّتُها حُمرُ
هو  ابن  بلادی كاغترابی اغترابه كلانا عن الأوطان أزعجه الدهرُ
وهذه أبیات رقیقة جداً ومن أروع ما قیل فی وصف الشقائق لابن الزقاق:
وریاض من الشقائق أضحى یتهادى بها نسیم الریاحِ
زرتها والغمام یجلد منها زهرات تروق لون الراح
قلت ما ذنبها ؟ فقال مجیباً سرقت حُمرةَ الخدودِ الملاح
وهذا أیضاً وصف بدیع لشجرة لوز قاله أبو بكر بن بقی:
سطرٌ من اللوز فی البستان قابل نیما زاد شیءٌ على شیءٍ ولا نقصا
كأنما كل غصنٍ كُمُّ جاریةٍ إذا النسیم ثنى أعطافه رقصا
وهذا وصف جذاب لزهرة ألأقاح للأسعد  ابن  إبراهیم بن بلیطة ویقول:
أحبب بنور الأقاح نوَّاراعسجـــده فی لجینــه حارا
أی عیون صُوِّرْنَ من ذهبرُكِّبَ فیها اللجینُ أشفارا
إذا رأى الناظرون بهجتها قالوا نجومٌ تحـــفُّ أقمارا
كأن ما اصفرَّ من مُوسِّطه علیلُ قومٍ أتوه زوارا

ــ الثمریات:-
الشعر المختص بالأثمار,والبقول,وما یتصل بها.
وصف الأندلسیین للثمرة نفسها فقد وصفوا التفاحة والسفرجل والرمانة والعنب وحتى الباذنجان !! وأبدعوا فی ذلك كثیرا فقال أبو عثمان ألمصحفی وقد تأمل ثمرة السفرجل الأبیات التالیة الرائعة المحبوكة فی نسیج رائع, ولفظ رقیق ومعنى أنیق موشى بلوعة حب وشكوى صب رغم إنه شطح فی آخرها قلیلاً ( وزودها ) حتى نسی إن ما بین یدیه ما هو إلا حبة من السفرجل!!ویقول:

ومصفرَّةٍ تختال فی ثوب نرجس وتــعبق عن مسك زكیِّ التنفس
لها ریح محبوبٍ وقسوة قلــــــبه ولونُ محبٍ حُلَّةَ السُــقم مـكتسی
فصفرتها من صفرتی مستعارةٌ وأنفاسها فی الطیب أنفاسُ مؤنسی
فلما استتمت فی القضیب شبابها وحاكت لها الأنواء أبراد سندس
مددت یدی باللطف أبغی قطافها لأجعلها ریحانتی وسـط مجلسی
وكان لها ثوبٌ من الزغب أغبرٌ یرف على جسم من التـبر أملسِ
فلما تعرَّت فی یدی من لباسها ولـــم تبق إلا فی غلالة نرجسِ
ذكرتُ بها من لا أبوح بذكره فأذبلـــها فی الكف حرّ تنفس

وهذا أحمد بن محمد بن فرح یقدم صورة بهیة لثمرة الرمان فیقول:

ولابسة صدفاً أحمرا أتتك وقد ملئت جوهرا .
كأنك فاتح حُقٍّ لطیفٍت ضمَّن مرجانَه الأحمرا

وكذلك كأن للعنب نصیب عند شعراء الأندلس فقال فیه الشاعر أحمد بن الشقاق ما یلی:
عنب تطلَّع من حشى ورق لنا صُبغت غلائل جلده بالإثْمدِ
فكأنه من بینهن كواكبٌ كُسفت فلاحت فی سماء زبرجدِ

ــ المائیات:
الشعر المختص بوصف الأنهار,والبرك, والسواقی.
كانت الأنهار الكثیرة الوفیرة المیاه،وما یتشعب عنها من برك،وخلجان,وغدران،وما ینبت على شواطئها,من حدائق،وریاض،وما یصاحبها من ظواهر طبیعیة كمد,وجزر,وفجر,ونهار,ولیل,وشمس,وأصیل من مظاهر الطبیعة الخلابة فی بلاد الأندلس؛وكانت أكبر المدن مثل قرطبة وأشبیلیة وغرناطة تقع على تلك الأنهار,التی كانت ترفد الأرض بالخصب,والعطاء فاتخذ الأندلسیون من ضفافها مراتع للمتعة,واللهو,ومن صفحاتها ساحات تمرح علیها زوارقهم,وأشرعتهم,وهم فی هذه وتلك یعزفون أعذب الألحان,ویتغنون باعذب الشعر وأرقه....
وهذه الأبیات الرائعة لابن حمدیس فی وصف بركة من الماء فی أحد القصور وقد احتوت على تماثیل لأسود تقذف الماء من أفواهها...
ولعل لفن النقش والنحت والزخرفة الذی كأن سائداً آنذاك أثر كبیر فی جمال هذه الصورة التی رسمها الشاعر بكل براعة:
وضراغمٍ سكنت عرین ریاسة ٍتركت خریر الماء فیه زئیرا
فكأنما غشَّى النُّضارُ جسومَها وأذاب فی أفواهها البلورا
أُسْدٌ كأن سكونها متحركٌ فی النفس،لووجدت هناك مثیرا
وتذكَّرت فتكاتِها فكأنما أقْعت على أدبارها لتثورا
وتخالها والشمس تجلولونها ناراً ،وألسنَها اللواحسَ نورا
فكأنما سَلَّت سیوفَ جداولٍ ذابت بلا نارٍ فعدُنَ خریرا
وكأنما نسج النسیمُ لمائهِ درعاً، فقدَّر سردَها تقدیرا
وبدیعة الثمرات تعبر نحوها عینای بحرَ عجائبٍ مسجورا
شجریةٍ ذهبیةٍ نزعت إلى سحرٍ یؤثر فی النُّهى تأثیرا
قد سَرَّحت أغصانَها فكأنما قبضت بهن من الفضاء طیورا

الأمثلة على وصف المائیات كثیرة جداً .
وتبقى الطبیعة وحدة متكاملة من الصعب تجزیئها والدارس لشعر الطبیعة عند الأندلسیین لا بد وإن یستغرب من هذا الكم الهائل من الأشعار التی قیلت فی هذا المجال ولا أظن إن أمة من الأمم قد برعت فی تصویر الطبیعة بمظاهرها وظواهرها المختلفة كما برع الأندلسیون.
الثلجیات:-
الشعر المختص فی الثلج والبرد...
ننتقل الآن إلى الثلج الجمیل الذی یكسو الأرض والسطوح والسفوح والأغصان العاریة,بغلالة بیضاء نظیفة ناصعة وطاهرة,وكإنه قطن مندوف فیبعث فی النفس بهجة ما لها مثیل, وعلى كل حال یبقى ما قیل فی الثلجیات أقل مما قیل فی الروضیات والمائیات حیث بدأ هذا النوع من الوصف متأخراً فی بلاد الأندلس كمثیله فی الشرق ومن الأبیات الرائعة التی قیلت فی الثلج تلك التی قالها أبو جعفر بن سلام المعا فری المتوفى عام 550م وقال فیها:
ولم أر مثل الثلج فی حسن منظر تقر به عینٌ وتشْنَؤه نفسُ
فنارٌ بلا نور یضیء له سناً وقطرٌ بلا ماءٍ یقلِّبه اللمسُ
وأصبح ثغر الأرض یفترُّ ضاحكا فقد ذاب خوفاً أن تقبِّله الشمس
وهذه أبیات للشاعر الرقیق  ابن  زمرك یمدح فیها السلطان ویصف الثلج فی نفس الوقت فیقول:
یا من به رتب الإمارة تُعتلى ومعالمُ الفخر المشیدةُ تَبتنِی
ازجر بهذا الثلج حالاً إنه ثلج الیقین بنصر مولانا الغنی
بسط البیاض كرامة لقدومه وافترَّ ثغراً عن كرامة مُعتنی
فالأرض جوهرةٌ تلوح لمعتلٍ والدوح مُزهِرةٌ تفوح لمجتنی
سبحان من أعطى الوجود وجوده لیدل منه على الجواد المحسن
وبدائع الأكوان فی إتقانها أثرٌ یشیر إلى البدیع المتقن

وهذه أبیات جمیلة لابن  خفاجة  فی وصف الثلج یقول فیها:
ألا فَضَلتْ ذیلَها لیلةٌ تجرُّ الربابَ بها هیدبا
وقد برقع الثلجُ وجهَ الثرى وألحف غصنَ النقا فاختبى
فشابت وراء قناع الظلام نواصی الغصون وهامُ الربى
وما دمنا نتحدث عن الثلج فلا بد من الإشارة إلى البَرَد أیضاً والذی كأن له نصیب فی شعر الأندلسیین ومنهم عبد الجبار بن حمدیس الصقلی الذی كتب قصیدة تزید عن العشرین بیتاً وصف فیها السیول والغدران والبرق والروض وخصص بعض أبیاتها للبرد فشبهه بدرر على نحور فتیات حسان أو بلؤلؤ أصدافه سحاب أو بدموع تتساقط من السحاب وغیر ذلك من الصور المألوفة وغیر المألوفة ویقول فیها:
نثر الجوُّ على الأرض بَرَدْ أی درٍ لنحورٍ لو جمدْ
لؤلؤٌ أصدافه السحْب التی أنجز البارق منها ما وعدْ
ذوَّبتْهُ من سماء أدمعٌ فوق أرض تتلقَّاه نَجَدْ

وهذان بیتان جمیلان فی وصف البرد وهو یتساقط من السماء والریح تعبث به فتبعثره قالها أبو بكر عبد المعطی بن محمد بن المعین:
كأن الهواء غدیرٌ جَــمَد بحیث البرود تذیب البَرَدْ
خیوطٌ وقد عُقدت فی الهوا وراحةُ ریحٍ تحل العُقد
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
وهذه الأصناف التی صنفها علما الأدب ,لتمثیل ولیست للحصر وإنما لوضع منهج لشعر الطبیعة وتقسیمات یمكن من خلالها تسهیل دراسة الشعر
رواد شعر الطبیعة فی الأندلس:

إن "شعر الطبیعة" كمصطلح تعبیر جدید فی أدبنا، لكن "شعر الطبیعة" كظاهرة وغرض وفن، موجود فی الشعر العربی من قدیم، لكن الجدید الذی أدخله الغربیون هو المصطلح فقط؛ فـ"شعر الطبیعة" تعبیر جدید فی أدبنا، أطلقه الغربیون على الشعر الذی كان من أهم مظاهر الحركة الإبداعیة الرومانسیة فی أواخر القرن الثامن عشر، وقد وجد الشعراء فی الطبیعة تربةً خصبةً لنمو العواطف الإنسانیة، وواحة للنفوس المتعبة القلقة، وشعر الطبیعة فی فجره عند العرب كان صورةً لما تراه العین، أكثر من كونه مشاركةً للعواطف التی توحی بها الطبیعة، وانفعالًا ذاتیًّا للشعور.

وفی ظلال العباسیین استطاع بعض فحول الشعر أن یضیفوا إلى الأوصاف المادیة للطبیعة حسًّا وذوقًا؛ فائتلفوا معها -أی: مع الطبیعة- واستغرقوا فی نشوة جمالها، وبادلوها عاطفةً بعاطفة وحبًّا بحب، ومن هؤلاء الشعراء العباسیین، الذین أضافوا إلى الأوصاف المادیة حسًّا وذوقًا: "أبو تمام" و"البحتری" و" ابن  الرومی" و" ابن  المعتز" و"الصنوبری
و من رواد شعر الطبیعة فی الأندلس الشاعر ( ابن   خفاجة ), و قد قال فی الجبل حین راح یتأمله و یفضی الیه:


وأرعن طماح الذؤابة بازخ یطاول أعنان السماء بغارب
وقور على ظهر الفلاة كأنه طوال اللیالی مفكر فی العواقب
أصغت إلیه وهو أخرس صامتٌ فحدثنی لیل الثرى بالعجائب
وقال: ألا كم كنت ملجأ قاتلٍ وموطن أواهٍ تبتل تائب
وقال بظلی..... وكم مر بی من مدلج ومأوب

"قال" هنا من القیلولة ولیست من القول. "قال بظلی": أی من القیلولة، وقت الظهیرة، النوم وقت الظهیرة، أو الاستراحة وقت الظهیرة.
وكم مر بی من مدلج ومأوب وقال بظلی من مطی وراكب
فأسمعنی من وعظه كل عبرةٍ یتجرمها عنه لسان التجارب
فسلى بما أبكى وسر بما شجى وكان على لیل الثرى خیر صاحب
قد كان " ابن   خفاجة " بارعًا فی تصویر هذا الجبل الأخرس، ومزج مشاعره به، مما جعل الصور التی عرضها له نابضةً حیة، تثیر فینا شتى الخواطر والتأولات، بید أن مجنون لیلى "قیسًا العامری" قد سبق " ابن   خفاجة " بالحدیث إلى جبل التوباد، یقول:
وأجهشت للتوباد حین رأیته وكبر للرحمن حین رآنی
فقلت له أین الذین عهدتهم حوالیك فی خصب وطیب زمان
فقال مضوا واستودعونی بلادهم ومن ذا الذی یبقى على الحدثان

ولو قارنا بین ما قال "قیس العامری" وما قال " ابن   خفاجة  الأندلسی" لوجدنا " ابن   خفاجة " فی هذه القصیدة قد استكمل جوانب الصورة العامة للجبل، وافتن فی تشخیصه، وجعله ینفعل بمختلف الأحاسیس والخواطر والأفكار، إلى جانب ما فی تصویر " ابن   خفاجة " من تحلیل واستقصاء، وإكثارٍ من الصور الخیالیة، هذا ما تعهده حین تتأمل قول " ابن خفاجة " تجد الصورة العامة للجبل مستكملة الجوانب؛ لقد افتن الرجل فی تشخیص الجبل وتصویره، وجعله كذلك ولذلك ینفعل بمختلف الأحاسیس والخواطر والأفكار، ووجدنا ما فی تصویر " ابن   خفاجة " من التحلیل والاستقصاء، وإكثار الرجل من الصور الخیالیة، بینما وجدنا قول "العامری" مجرد خطرة عابرة، لو وقف عندها " ابن   خفاجة " ما بلغ هذا النفاذ، وما جاءت قصیدة الجبل عند " ابن   خفاجة " نسقًا شعریًّا متكاملًا ذا شعابٍ وأفانین، لقد تألق الأندلسیون فی هذا الروض الإبداعی -وهذا شیء یذكر لهم- حین رأیناهم یمزجون فی شعر الطبیعة بین الطبیعة والحب، ورأوا فی مظاهر الطبیعة صفات من یحبون، واتخذوا من مباهج الطبیعة أداة للتذكر، على غرار ما جاء فی قول "المالقی" فی جاریة تدعى "حسن الورد":
تذكرت بالورد حسن الورد منبته حسنً وطیبًا وعهدًا غیر مضمون
هیفاء لو بعت أیامی لرؤیتها بساعة لم أكن فیها بمغبون
كالبدر ركبه فی الغصن خالقه فما ترى حین تبدو غیر مفتون

" ابن  هزی الأندلسی" یقول مصورًا مشاعره الإنسانیة فی حضن الطبیعة، التی حركتها فی نفسه الولهة، فی نغمة موحیة بالانفعال والتفاعل والحیویة:
هبت لنا ریح الصبا فتعانقت فذكرت جیدك فی العناق وجید
وإذا تألف فی أعالیها الندى مالت بأعناق ولطف قدود
وإذا التقت بالریح لم تبصر بها إلا خدودًا تلتقی بخدود
فكأن عذرة بینها تحكی لنا صفة الخلود وحالة المعمود
تیجانها طلٌّ وفی أعناقها منه نظام قلائدٍ وعقود
أما  ابن  زیدون فهو أهم شاعر وجدانی فی الأندلس
وهو أول من اعتصر فؤاده شعرًا فیه جوًى وحرقة وهوى ولوعة، وتلوح لأولی البصر عبقریته الفذة ونضجه الشعری بعد أن صهرته محنة السجن، وعذاب الصدود والهجر، فكانت تجربته الشعریة عصارة نفس متألمة أو صرخة إنسانیة لهیفة ارتفعت بتجربة الشعر على جناح الطبیعة إلى مستوًى فنیًّ رفیع، وقد عرفنا إن مجال إبداع الأندلسیین فی هذا المجال أنهم مزجوا بین الطبیعة والحب، هذه الصرخة الإنسانیة اللهیفة عند " ابن  زیدون" ارتفعت بتجربة الحب على جناح الطبیعة إلى مستوًى فنی رفیع، لم نعهده فی أدب المشرق وقتذاك، فتجربة  ابن  زیدون تجربة نفسیة وجدانیة متكاملة، تكاد ترى نفس " ابن  زیدون" ذائبة فی حواشیها حسرة وشوقًا، على أنه من أروع ما وفق إلیه شاعر الأندلس الملهم براعته الفائقة فی تشخیص مظاهر الطبیعة، وتحولها على یدیه إلى أحیاء ینفعلون ویتحركون على مسرح الفن الشعری، فهی -أی الطبیعة- فی خیاله وحضوره العاطفی المتوهج تنبض بالحیاة، وتفیض بالمشاعر، بل وتشاركه آلامه وآماله فی مشاركة وجدانیة رائعة، وتلاحم عاطفی أكثر روعة ندر فی شعر المشارقة وقلّ فی شعر الأندلسیین، وقصیدته القافیة تؤكد هذا الجانب الإبداعی عند " ابن  زیدون" والتی منها:
إنی ذكرتك بالزهراء مشتاق والأُفق طلقٌ ووجه الأرض قد راق
وللنسیم اعتلال فی أصائله كأنه رقّ لی فاعتل إشفاق
والروض عن مائه الفضی مبتسم كما شققت عن اللبات أطواق

إنها رسالة أو صرخة إنسانیة لهیفة، بعث بها على جناح الطبیعة إلى "ولادة بنت المستكفی":
والروض عن مائه الفضی مبتسم كما شققت عن اللبات أطواق
یوم كأیام لذات لنا انصرمت بتنا لها حین نام الدهر سُراق
نلهو بما یستمیل العین من زهر جال الندى فیه حتى مال أعناق
كأن أعینه إذ عاینت أرقی بكت لما بی فجال الدمع رقراق
ورد تألق فی ضاحی منابته فازداد منه الضحى فی العین إشراق
سرى ینافحه نیلوفر عبق وسنان نبه منه الصبح أحداق
كل یهیج لنا ذكرى تشوقنا إلیك لم یعد عنه الصبر أن ضاق
لا سكن الله قلبًا عنّ ذكركم فلم یطر بجناح الشوق خفاق
لو شاء حملی نسیم الصبح حین سرى وافاكم بفتى أضناه ما لاق

لقد كان " ابن  زیدون" بهذه الخاصیة الإبداعیة رائدًا إلى الشعر الرومانسی فی القرن الخامس الهجری الحادی عشر المیلادی، والذی عرفته الآداب الأوربیة فی أواخر القرن الثامن عشر المیلادی، فابن زیدون بوصف الطبیعة من خلال نوازعه العاطفیة وأشجان حبه الذاتیة یمثل خطوة رائدة فی أدب الطبیعة عند العرب، ویعد مظهرًا من أبرز مظاهر التجدید فی شعر الطبیعة الأندلسی، بل یمكننا أن نعتبر  ابن  زیدون مصدرًا عربیًّا عریقًا للأدب العالمی فی الاتجاه نحو الطبیعة، وتوظیفها فی الفن الشعری بعامة والنسیب منه بخاصة، ولا نقول ذلك رجمًا بالغیب، أو تعصبًا لأبناء جلدتنا من العرب، أو حمیةً لأبناء عقیدتنا من المسلمین، بل هو استنتاج ورأی نشفعه بالدلیل، ألیس تمثل الطبیعة والاندماج فیها وتقمصها تقمصًا وجدانیًّا فی الشعر الغنائی، الذی رأینا أنموذجه عند " ابن  زیدون" فی القرن الحادی عشر المیلادی هو ما أراده النقد الأدبی الرومانسی فی أوربا بعد ذلك فی القرن التاسع عشر عند حدیثه عن أثر الطبیعة ودورها الفاعل فی الأدب والإبداع الفنی؟
المصادر:
- الطبیعة فی شعر  ابن   خفاجة
-الطبیعة فی شعر الأندلس(جودت الركابی)

به نقل از سايت 
http://aladab.mihanblog.com/post/17

راز ماندگاری در گمنامی است

 
جمعه 30 بهمن 1388  8:54 PM
تشکرات از این پست
mashhadizadeh
mashhadizadeh
کاربر طلایی1
تاریخ عضویت : اردیبهشت 1388 
تعداد پست ها : 25019
محل سکونت : بوشهر
پنج شنبه 17 تیر 1389  7:36 PM
تشکرات از این پست
دسترسی سریع به انجمن ها